البيعة لواحد من الناس, فإن هذا البيعة لا اعتداد بها, وليست لها الصفة الشرعية التي تجبر باقي أفراد الأمة على الدخول في طاعة من بايعته هذه الجماعة.
وقبل أن نوضح المعنى المثالي الملاحظ في تقرير المبدأ الإسلامي القائل بوجوب أن تسند مهمة اختيار رئيس الدولة إلى جماعة خاصة, تسمَّى عرفًا بجماعة أهل الحل والعقد, يجب أن نقول بادئ ذي بدء: إننا إذا كنا حقًا نبحث عن الطريقة المثلى لاختيار رئيس الدولة, يجب علينا أن نسلم بأمرين:
أولهما: أن اختيار رئيس الدولة يجب ألا يوكل إلَّا إلى من توافرت فيه مقدرة التفرقة بين من يصلح, ومن لا يصلح, لتولي هذا المنصب الخطير, وتوافر هذه المقدرة لا يتحقق إلا بأن تفرض شروط, وصفات خاصة, في من يصح قيامه بهذه المسئولية, شروط وصفات من شأنها أن توجد في القائمين بهذه المهمة الصلاحيةَ الكاملة لها؛ وذلك لأنه لما كان رئيس الدولة لا يُختار إلا ممن توافرت فيه شروط خاصة, تؤهله للقيام بأعباء هذا المنصب, وهي التي بيناها فيما سبق عند الكلام عن الشروط المطلوبة في رئيس الدولة, نقول: كان لزامًا ألا يوكل اختيار الرئيس إلا إلى أشخاص تتوافر فيهم مقدرة التفرقة بين من تحققت فيه هذه الشروط, وبين من لم تتحقق فيه.
وثاني الأمرين الذَين بجب التسليم بهما: هو أنه لا يصح ادعاء أن التنظيمات البرلمانية تمثل الشعب كله تمثيلًا صحيحًا, سواء في ذلك الشعوب التي بلغت مستوًى رفيعًا من العلم, والنضج السياسي, والشعوب التي لم تبلغ بعد هذا المستوى, وذلك لعدة أسباب:
السبب الأول: أن البرلمان بأجمعه قد لا يمثل سوى أقليَّة ضئيلة من الناخبين, وذلك إذا أسقطنا من حسابنا نوعين من الأصوات, أولهما أصوات الغائبين الذين لم يدلوا بآرائهم في هذه الانتخابات, وهؤلاء الغائبون يمثلون عددًا كبيرًا بالنسبة إلى باقي أفراد الناخبين في كل انتخاب, ويبلغ عددهم في أغلب البلاد نحو نصف عدد الناخبين,