فالإسلام لا يسود طائفة, يعني لا يجعل لها سيادة, لا يجعل السيادة لطائفة من الناس على من عداهم من أفراد الأمة, وإذا كان الإمام من قريش فليس معنى ذلك أن تتبوأ قريش مكانة عالية دونها مكانة سائر المسلين؛ لأن الإسلام -كما قلنا- لم يفرق بين قرشي, وغير قرشي, ولم يفرق بين حاكم, ومحكوم, والأمة بالتزامها القانون الإسلامي هي صاحبة الحق في السيطرة على الخليفة, وهي التي تخلعه متى رأت ذلك من مصلحتها, وليس في الإسلام سلطة دينية سوى سلطة الموعظة الحسنة, والدعوة إلى الخير, والتنفير عن الشر, وهذه سلطة خولها الله لأدنى المسلمين.
وبهذا نكون قد أجبنا عن الشبهات التي تمسك بها الخوارج, ومن معهم, في القول بعدم اشتراط القرشية في الإمام.
لكن ما هي الحكمة في اشتراط القرشية؟
نبادر بأن نقول: إن القرشية شرط قد ثبت بالأحاديث الكثيرة, وبإجماع المسلمين عليه في خير القرون -كما بينا ذلك آنفًا- وعلى ذلك فإذا ما أردنا أن نلتمس الحكمة من هذا الشرط, فقد نصيب في ذلك, وقد نخطئ, وفي هذه الحال لا يؤثر ذلك في أن هذا الشرط ثابت, لا يقوى معارضوه على نفيه؛ لأن الأمر في أمثال هذا موقوف على قيام الدليل وثبوته, فإذا ما قام الدليل على أمر من الأمور وجب الامتثال, ولا يجب في كل حكم أن يكون معللًا, أو ظاهر الحكمة, كما يجب أن يعلم أن الحكمة في اشتراط القرشية ليست هي القرابة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأن للقرابة أحكام خاصة من ميراث, أو تحريم نكاح, إلى غير ذلك, لكن ليس للقرابة مدخل في الإمامة, كما لا مدخل لها في تولية والٍ على ناحية من النواحي, وقد ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يولي من تربطه به صلة القرابة, ومن لا تربطه به هذه الصلة.