وقد حاول العلماء التماس الحكمة من اشتراط القرشية في الإمام, فكان غالب اجتهادهم يدور حول المكانة التي تتمتع بها قريش بين العرب عامة, مما يسهل انقياد الناس لهم؛ لما لهم من الشرف والرياسة, وأن تخصيص قريش بالإمامة عامل هام من عوامل حراسة هذا الدين؛ لأنه جاء بلغتهم, ورسوله -أي رسول هذا الدين- منهم, مما يجعلهم مدفوعين طبيعيًّا إلى صيانته وإلى نشره.

وأخيرًا نقول: إن الإسلام قد اشترط في الإمام الأعظم أن يكون من قريش, وسواء أظهرت لنا الحكمة في ذلك, أم أخطأنا في فهمها, فإن ذلك لا يؤثر في كون هذا شرطًا اشترطه الشارع, كما قلنا ذلك سابقًا.

ثم نتحدث الآن عن الشرط الآخر, الذي وعدنا بالحديث عنه, وهو أن يكون الإمام أفضل من غيره فنقول:

نحب أن نبين في البدء أن الجميع قد اتفقوا على أن الإمامة العظمى إذا عقدت لشخص, ثم ظهر من هو أفضل منه, فلا يعدل عن الإمام إلى الأفضل, والعلة في ذلك ظاهرة؛ إذ إن ظهور الأفضل محتمل في كل آن, فلو جُوِّز العدول إلى الأفضل, لأدى ذلك إلى حال من عدم استقرار الحكم في الدولة, المؤدي إلى الفوضى, التي لا يرضى عنها الشارع الحكيم, وكذلك لا خلاف بين العلماء في جواز تولية المفضول إذا كانت كلمة الأمة قد اتفقت عليه, ولم ترض بغيره بديلًا, أو كان هناك عذر يمنع تولية الأفضل, كغيبته, أو مرضه, أو كان المفضول أطوع في الناس, وأقرب إلى قلوب الشعب.

واختلف العلماء في حال وجود شخصين توافرت في كل منها الشروط المطلوبة في الإمامة العظمى, إلا أن أحدهما أفضل من الآخر, ولم يحظ المفضول باتفاق الأمة على اختياره, ولم يوجد من الأعذار ما يبرر العدول عن الأفضل إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015