القرشية؛ ذلك أنها نصوص أفادت وجوب هذا الشرط كما سبق بيانه, وقد أكدها إجماع الصحابة, فلا مفر من التسليم بما أدت إليه كل هذه الأدلة, وبخاصة وأن الحكم أصبح قطعيًا بالإجماع, لا يحتمل أدنى ريب في وجوب هذا الشرط.
وأما ما قاله الخوارج الذين لا يشترطون في الإمام أن يكون قرشيًّا, نقول: ما قالوه من أن الإسلام نهى عن العصبية, وأن تسود طائفة معينة على سائر المسلمين, وأنه جاء بالمساواة بين الناس جميعًا, وهذا ما يعارض جعل الخلافة في قريش, فإننا نقول -ردًّا عليهم:
إن الإسلام باشتراطه أن يكون الإمام قرشيًّا لم يكن بذلك داعيًا إلى العصبية التي نهى عنها, فإن الحاكم الأعلى في الدولة الإسلامية ليس له أي مزية على سائر أفراد الأمة, وليس لأسرته كذلك أدنى حق زائد على الحقوق التي كفلها الشارع لسائر أفراد المسلمين, فالإمام, وأفراد المسلمين, كلهم سواء أمام القانون الإسلامي, يخضعون لأحكامه, بل إن الإمام متحمل من التبعات ما يجعله من أشد الناس حملًا, وأثقلهم حسابًا يوم القيامة؛ لأنه مسئول عن رعيته, كما نص على ذلك رسولنا -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن لأي من الأسر التي ينتمي إليها أبو بكر, أو عمر, لم يكن لهم أدنى امتياز على أي فرد من أفراد المسلمين في زمن خلافتهما, ونزوان بني أمية على حقوق المسلمين زمن خلافة عثمان لم يكن نتاج العصبية من عثمان, وإنما كان لضعفه -رضي الله عنه- وعدم توفيقه في اختيار من يتولون أمور الناس من قِبله, حتى كان ذلك سببًا في إيقاظ الفتنة التي اجتاحت العالم الإسلامي آنذاك, وتلاقَى الغوغاء, وذوو الأهواء, والدساسون للإسلام, تلاقوا في تجمع هائج أدى في النهاية إلى مصرع الخليفة في داره وهو يقرأ القرآن الكريم,