والطاعة للعبد الحبشي, فدل ذلك على أن الإمام قد لا يكون قرشيًا, وهو ما يدعيه أصحاب الرأي القائلون بأنه لا يشترط أن يكون الإمام من قريش.

وأما استدلالهم بالقول المنسوب إلى عمر -رضي الله عنه- فقد روي عنه أنه لما طُعن طلب المسلمون منه أن يستخلف عليهم من يرضاه لهم, حتى لا يختلفوا بعده, فقالوا له: بين لنا من يلي أمورنا, فقال -رضي الله عنه-: لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيًّا استخلفته, وروي عنه أيضًا قوله: إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته, فإن أدركني أجلي وقد مات أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل.

فدل هذا القول من عمر على أنه لا يرى وجوب شرط القرشية, حيث كان ينوي استخلاف سالم مولى أبي حذيفة, أو معاذ بن جبل, وكلاهما ليس قرشيًا, بل الأول ليس عربيًا, والثاني أنصاري لا نسب له في قريش.

وأما الدليل العقلي على انتفاء شرط القرشية في الإمام, فيقولون فيه:

إن الأنساب لا اعتبار لها عند الشارع في القيام بأمور الدين, فلا شرف ولا خسة إلا بالعمل الصالح, وحسن الصلة بالله -سبحانه- أو بعدمها, قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات: من الآية: 13) فالإسلام قد جاء بمبدأ المساواة بين الناس جميعًا, أبيضهم, وأسودهم, وأحمرهم, شريفهم, وحقيرهم, لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى, واشتراط القرشية اتجاه إلى العصبية, وإلى أن تسود طائفة من الناس على سائر الأمة, وهو ما يمقته ويبغضه الشرع الحكيم.

وبعد فإن المرأ ليحار حقًا في التوفيق بين الأدلة القائمة على وجوب القرشية في الإمام, ومنها الأحاديث المتعددة المروية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإجماع المسلمين على ذلك, نقول: ليحار في التوفيق بين هذا كله, وبين قول عمر في سالم مولى أبي حذيفة, وفي معاذ بن جبل, على أنه في النهاية يجب أن يكون الميل إلى إلى الأدلة التي أثبتت شرط

طور بواسطة نورين ميديا © 2015