الذين تتوافر فيهم الشروط الأخرى, ويمكن صلوحهم لتولى هذا المنصب غير أن العدالة غير متحققة فيهم, وكلا الأمرين متحقق فيه معنى الضرورة نقصد الأمر الأول, وهو أن يستولى على الإمامة من ليس بعدل, والأمر الثاني وهو أن أهل الحل والعقد لا يجدون شرط العدالة متوفرًا فيمن يصلحون للإمامة, نقول: وكلا الأمرين متحقق فيه معنى الضرورة؛ إذ لا سبيل إلى جبر الأول الذي استولى على الحكم بالقوة, لا سبيل لجبره عن التخلي عن الرياسة إلا باستعمال القوة, وهو ما يؤدي إلى وقوع الفتنة, وانتشار الفساد, وهي حال لا يرضاها الشرع, وحينئذ فينظر إلى أخف الضررين: ضرر وجود فاقد العدالة رئيسًا أعلى للأمة, وضرر انتشار الفتنة بين الناس عند محاولة إقصائه بالقوة, فيحتمل الضرر الأخف, وهو وجود فاقدها حتى تحين الفرصة لإقصائه عند أمن الفتنة, ووقوع الضرر.
يقول البعض: لو تعذر وجود العلم, والعدالة, فيمن تصدى للإمامة, بأن تغلب عليها جاهل بالأحكام, أو فاسق, وكان في صرفه عنها إثارة فتنة لا تطاق, حكمنا بانعقاد إمامته؛ كي لا يكون بصرفنا إياه, وإثارة الفتنة التي لا تطاق, كمن يبني قصرًا ويهدم مصرًا, وبين الفقهاء أنه ما دمنا نحكم بنفوذ القضايا التي حكم فيها قضاة أهل البغي في دارهم, التي غلبهم أهل العدل عليها؛ لحاجة الناس إلى تنفيذ هذه الأحكام, فلا بد أن نحكم بصحة إمامة من فقد الشرط, وإلا لزم وقوع الفوضى بين الناس, وعدم صحة أحكام قضاتهم بناء على أنهم يولَّون القضاء من الإمام.