وأما الثاني من قسمي الفسق: فهو ما يتعلق بالاعتقاد المخالف للحق, بعروض شبهة, وقد اختلف العلماء في ذلك, فذهب البعض إلى أنه يمنع انعقاد الإمامة, وإذا طرأ على من عُقدت له استحق العزل به, وعللوا ذلك بأنه لما استوي حكم الكفر بتأويل وغير تأويل, وجب أن يستوي حال الفسق بتأويل وغير تأويل, وذكر الإمام الماوردي أن كثيرًا من علماء البصرة ذهبوا إلى أنه لا يمنع من انعقاد الإمامة, ولو طرأ عليه بعد توليه الإمامة لا يخرج به منها, كما لا يمنع ذلك من تولي القضاء, وقبول الشهادة.
ثم إن الفسق الذي تذهب به العدالة تارة يكون ظاهرًا, بمعنى أن يعرفه الناس بالانتشار بينهم, أو بشهادة العدول عليه, وتارة يكون الشخص في الظاهر عدلًا, وفي الباطن فاسقًا, على عكس ما يعتقده الناس, فإذا كان يبطن الفسق, واختاره أهل الحل والعقد للإمامة, فهل يحل له قبول هذا المنصب, أم أن الواجب عليه أن يمتنع عن قبوله؟
قال بعض العلماء: إن الواجب عليه أن يتوب مما يعمله, ومما يعلمه من نفسه, ويقبل هذا المنصب بشرط أن يكون واثقًا من صلاحه واستقامته, وعدم عودته إلى ما يجرح عدالته, فإن لم يكن واثقًا من ذلك لزمه إظهار حاله على الجملة, ووجب على أهل الحل والعقد أن يقبلوا ذلك منه, ويرشحوا غيره للإمامة.
ولكن ما الحكم لو تعذر وجود العدالة؟
تعذر العدالة في الإمام يتحقق بأحد أمرين: إما باستيلاء من هو فاقد العدالة على هذا المنصب بالقوة, فلم يكن لأهل الحل والعقد اختيار في استيلائه على الإمامة, وإما بتعذر وجود العدالة فيما يستعرضه أهل الحل والعقد أمامهم من