والرد على ذلك أن هؤلاء كانوا ملوكًا تغلبوا على الأمة, فتولوا هذا المنصب بالقهر, لا بالرضى والاختيار, وحال التغلب حال ضرورة, فلا يصح الاستدلال بها, ولو قلنا بعدم صحة ولاية المتغلب الذي ليس بعدل لتعطلت مصالح الأمة الدينية والدنيوية, من الفصل في الخصومات, وجهاد الكفار, وغير ذلك.
يقول البعض: وليس من شرط صحة الصلاة خلف الإمام عدالته, فقد روى أبو داود من حديث أبي هريرة: ((الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برًّا كان أو فاجرًا, والصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم برًّا كان أو فاجرًا, وإن عمل الكبائر)) والحكمة في أن العدالة لا تشترط في إمامة الصلاة, وتشترط في الإمامة العظمى, أن الصلاة لا تتعلق بحقوق الغير, بخلاف الإمامة, فإنها تتعلق بحقوق الغير.
يقول البعض: ومن حق الإمام أن يقوم بالحقوق كالحدود, والأحكام, والإنصاف, والانتصاف, وأخذ الأموال من وجوهها, وصرفها في حقها, والفاسق لا يؤتمن على ذلك, فقياس الإمامة العظمى على إمامة الصلاة إنما هو قياس مع الفارق ,ولذلك سقط ما استدل به الأحناف على أنه لا تشترط العدالة في الإمام الأعظم أو رئيس الدولة.
وقد قسم الإمام الماوردي في كتاب (الأحكام السلطانية) الفسق الذي تزول به العدالة إلى قسمين: الأول: ما تابع فيه شهوته, الثاني: ما تعلق فيه بشبهة.
فأما الأول: وهو ما تابع فيه شهوته, فيحصل باجترائه على ما نهى الله عنه, واتباعه هواه, فيرتكب المحظورات غير مبال بوعيد الله -سبحانه- فهذا فسق يمنع -في نظر الماوردي- انعقاد الإمامة له, وإذا طرأ بعد عقدها له فقد خرج -عند الماوردي عن الإمامة.