وأما يما يختص بالناحية الثانية، فقد قال البعض: لأنه محتاج بأن يصرف الأمور على النهج القويم، ويجريها على الصراط المستقيم، ولأن يعلم الحدود، ويستوفي الحقوق، ويفصل الخصومات بين الناس، وإذا لم يكن عالمًا مجتهدًا لم يقدر على ذلك.
ويقول البعض: إنما اشترط الاجتهاد في الإمام؛ ليتمكّن بذلك من إقامة الحجج وحل الشبه في العقائد الدينية، ويستقل بالفتوى في النوازل وأحكام الوقائع نصًّا واستنباطًا؛ لأن أهم مقاصد الإمامة حفظ العقائد، وفصل الحكومات، ورفع الخصومات.
وأما الذين ذهبوا إلى عدم وجوب هذا الشرط -وهم الأحناف كما قلنا- فقد بَنَوا رأيهم على أن اجتماع هذا الشرط مع غيره من الشروط المطلوبة في واحد أمر نادر، ويمكنه أن يفوض غيره من المجتهدين في الحكم في الأمور التي تستدعي الاجتهاد، أو يحكم بعد أن يستفتي العلماء. فهؤلاء هم الأحناف الذين لا يشترطون في الإمام أن يكون مجتهدًا، إنما يقولون: يُكتفى منه بأن يَسأل أهل العلم أو أهل الاجتهاد في أي مسألة من المسائل التي تُعرض عليه، ويبنى حكمه بناءً على ذلك؛ لأنه ربّما لا يتحقّق هذا الشرط مع الشروط الأخرى، ويكون اشتراطه من الأمور المعجزة؛ ولذلك يكتفون بالقول بأنه يرجع إلى غيره من المختصين؛ وبذلك لا يشترطون في الإمام الأعظم أن يكون مجتهدًا.
أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
2 - شروط رئيس الدولة (2)
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد, وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ... أما بعد:
فقد بدأنا الحديث في المحاضرة السابقة عن الشروط الواجب توافرها في الإمام الأعظم, أو ورئيس الدولة, وذكرنا أنه يشترط في الإمام الأعظم أن يكون بالغًا, عاقلًا, مسلمًا, حرًّا, ذكرًا, مجتهدًا, وذكرنا الاختلافات التي قد تكون بين الفقهاء في هذه الشروط, وبينا الرأي الراجح منها, ونواصل الآن الحديث عن بقية هذه الشروط فنقول:
الشرط السابع من شروط الإمام الأعظم أو ورئيس الدولة: هو أن يكون عدلًا, والعدالة ملكة في النفس تمنع صاحبها من ارتكاب الكبيرة, والإصرار على الصغيرة, وقد اختلف تعبير العلماء عن هذا الشرط, فالأكثرون يعبرون عنه