ويجب أن نعلم أنه إذا ما توافرت صفة في الإمام، ثم أُصيب بعد تولّيه منصبه بمرضٍ أفقده هذه الصفة، فإنه في هذه الحال مستحقٌّ للعزل عند من يرون اشتراط صفة العلم في الإمام.
استدلال الجمهور ومخالفيهم على ما ذهبوا إليه: قلنا أن جمهور الفقهاء يشترطون في الإمام أن يكون مجتهدًا، وعلمنا الأمور التي يكون بها مجتهدًا، وهو معرفته باللغة العربية، وبآيات الأحكام، وبأحاديث الأحكام، وبعلم أصول الفقه، إلى غير ذلك من الأمور التي ذكرناها، لكن ما هي الأدلة التي استدلّ بها جمهور الفقهاء على أنه يجب أن يكون الإمام مجتهدًا؟ أو ما هي أدلّتهم على شرط الاجتهاد في الإمام؟
نقول: يعتمد جمهور العلماء فيما يذهبون إليه في وجوب تحقق الاجتهاد في الإمام الأعظم، على ناحيتين: الأولى: القياس، والثانية: طبيعة العمل الموكول إلى الإمام الأعظم، وما يستلزمه من أوصافٍ خاصّة حتى يؤدى على الوجه الذي أوجبه الشارع. أما فيما يختصّ بالناحية الأولى -وهو القياس- فقد قاسوا منصب الإمامة العظمى على منصب القضاء، فإذا كان القاضي يشترط فيه أن يكون مجتهدًا فكذلك الإمام من باب أولى، ليقول البعض بعد أن عدّ الاجتهاد شرطًا من الشروط الواجبة في الإمام: لأن القاضي الذي يكون من قبله يفتقر إلى ذلك فالإمام أولى. يعني كأنّ جمهور الفقهاء يقيسون الإمام على القاضي، فإذا كان يشترط في القاضي أن يكون مجتهدًا فمن باب أولى يشترط في الإمام الأعظم أن يكون مجتهدًا، لأن الإمام الأعظم هو الذي يولي القاضي، ويُشترط في القاضي أن يكون مجتهدًا، فمن باب أولى يجب في الإمام الأعظم أن يكون مجتهدًا.