وأما الثاني وهو اللازم -يعني الجنون اللازم الذي لا يرجى زواله كالجنون والخبل-: فهو على قسمين:
أحدهما: أن يكون مطبقًا لا تتخلله إفاقة، فهذا يمنع انعقاد الإمامة، وإذا طرأ على الإمام بعد توليه منصبه يعني إذا طرأ هذا الشيء أو هذا الجنون عليه بعد توليه منصبه، استحق العزل إذا تحققنا من وجوب هذا المرض وقطعنا به فيه.
والقسم الثاني من اللازم -يعني المرض اللازم الملازم للإنسان- الذي يرجى زواله، هو ألا يكون ذلك المرض ملازمًا له في كل أوقاته، بل تتخلّله أوقات إفاقة يعود بها إلى حال سلامته، وحينئذٍ ينظر؛ فإن كان زمن المرض أكثر من زمان الإفاقة، فهذا كالمرض الدائم يمنع انعقاد الإمامة، وإذا طرأ على الإمام بعد انعقاد الإمامة له سليمًا استحق العزل به، وإن كان العكس وهو الذي يحدث، بمعنى أن يكون زمان الإفاقة أكثر من زمان المرض، فقد اتفق العلماء على انعقاد الإمامة معه، واختلفوا فيما إذا طرأ على الإمام هذا المرض بعد توليه منصبه: هل يمنع استدامتها أو لا يمنع؟
رأيان في المسألة:
الأول يقول: بأنه يمنع من استدامتها -أي استدامة الإمامة- كما يمنع من ابتدائها؛ لأن من واجب الإمام النظر في مصالح الأمة، وهذا المرض مع تكرّره يخل بهذا الواجب.
الرأي الثاني: يرى أنه لا يمنع من استدامة الإمامة، وإن كان يمنع انعقادها في الابتداء؛ لأن المطلوب وقت عقد الإمامة هو السلامة الكاملة، وعند الخروج منها هو النقص الكامل.
ونرى أن الرأي الأول هو الأولى بالاعتبار؛ إذ أنه يجوز أن تجيء نوبة المرض في وقت تحتاج الأمة فيه إلى رأي الإمام، وبَتِّه في مسائل هامة، كأمور الحرب مثلًا، ولا يتصور أن تتعطل أمثال هذه الأمور حتى يفيق الإمام،