وقد بيّن الإمام الماوردي في كتابه (الأحكام السلطانية) عند الكلام على الشروط التي يجب توافرها فيمن يتولّى القضاء -ومنها العقل-: أنه لا بد من توافر الفطنة فيه، ولا يُكتفى فيه بالعقل الذي يتعلّق به التكليف من علمه بالمدركات الضرورية؛ حتى يكون صحيح التميز، جيد الفطنة، بعيدًا عن السهو والغفلة، يتوصّل بذكائه إلى إيضاح ما أشكل، وفصل ما أعضل، وإذا كان هذا هو الشرط في الاعتداد بصفة العقل في القاضي فالإمام الأعظم من باب أولى. فالإمام الماوردي يبيّن لنا أنه لا يكتفى بمجرد العقل الذي يميّز به صاحبه بين الأشياء والنافع والضار، بل لا بدّ أن يكون جيد الفطنة، يعني عقل من نوع خاص، له فطنة، وله ذكاء. إذا كان الأمام الماوردي يشترط ذلك في القاضي؛ فينبغي اشتراطه في الإمام الأعظم من باب أولى.

والشرط الرابع من شروط الإمام: الحرية:

فلا تنعقد إمامة العبد، سواء أكان قنًّا -يعني لا شيبة فيه من الحرية- أو مُبَعّضًا -يعني بعضه حر وبعضه عبد- أو معلّقًا عتقه بصفة؛ لأن المفروض في العبد شرعًا أن يكون كل وقته وجهده في خدمة سيده، وهو مكلّف بإطاعة الأوامر الصادرة له من هذا السيد ما دامت في طاقته، وإذا كانت أموره تسير بأوامر غيره: فكيف يمكن أن توكّل إليه أمور الأمة؟ يقول البعض: لئلّا يشغله خدمة السيد عن وظائف الإمامة، ولئلّا يحتقر فيعصى، فإنّ الأحرار يستحقرون العبيد ويستنكفون عن طاعتهم. ويقول البعض مبررًا لماذا اشترطت الحرية في الإمامة العظمى، يبين ذلك بقوله: أن العبد لا ولاية له على نفسه، فيكيف تكون له الولاية على غيره؟ والولاية المتعدية فرع للولاية القائمة؟ هذا هو الشرط اشترطه -كما قلنا- جمهور العلماء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015