فعندئذٍ لا يُتصوّر تعطيلُ مصالح الأمة، فيجب نصب والٍ -كما يقول الحنفية- لهذا الصغير، ولكن يجب أن يكون مستوفيًا شروط الإمامة، فإن تمادى الذين لهم مقدرة فرض هذا الصغير ونصّبوا واليًا غير مستوفٍ للشروط، فيكون هذا أيضًا حال ضرورة تخضع لها الأمة مؤقتًا؛ حتى لا تتعطّل المصالح الدينية والدنيوية لأفراد الشعب، ولكن ليس للأمة أن ترضى بهذا الوضع باعتباره وضعًا يجب أن يستمر، بل على الأمة -وبخاصة أهل الحل والعقد- انتهاز كل فرصة يمكن أن تساعد على تغير هذا الوضع، وتوليه مستوفي الشروط، إذا لم تكن فتنة من محاولة التغيير هذه، أما أن ترضى الرعية وتتّفق على تولية ابنٍ صغيرٍ للإمام مكان والده بدون قسر ولا إكراه من السلطة، فهي ليست حال ضرورة، وهذا هو الخطأ الذي لا مبرِّر له.

ثم ننتقل الآن إلى الشرط الثالث من شروط الإمام: وهو العقل:

وهذا شرط بدهيٌّ، فلا تنعقد رياسة ذاهب العقل بجنون أن بغيره كالخبل؛ إذ أن ذاهب العقل يحتاج هو نفسه إلى وليٍّ ليصرف له أموره، فكيف توكل إليه أمور غيره؟! وإذا كان الصبي محروم من تولي هذا المنصب لهذا السبب فذاهب العقل من باب أولى.

وقد قسّم الإمام الماوردي في كتابه (الأحكام السلطانية) إلى سببين:

الأول: ما يُرجى زواله كالإغماء.

والثاني: ما لا يرجه زواله كالجنون.

فأما الأول -وهو ما يرجى زواله كالإغماء-: فهذا لا يمنع انعقاد الإمامة، وكذلك لا يمنع من استدامتها؛ لأنه مرض قليل اللّبث سريع الزوال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015