نقول: هذا أمر غير مسلّم؛ لأن الواقع يخالف ذلك؛ وهذا يظهر عندما يسقط نظامٌ من الأنظمة، أو رئيس من الرؤساء، يحدث خلافٌ بين الناس وتشاجرٌ، ولا يمكن القياس على أحوال البوادي؛ لأن حالهم يخالف ذلك.
ونأتي الآن إلى القائلين بوجوب نصب الإمام في حالٍ دون حالٍ:
ونبيّن دليلَهم والردَّ عليهم، فهناك رأي يقول بأنه يجب نصب الإمام عند ظهور العدل، ولا يجب نصبه عند ظهور الفتن، ونرى بعض الآراء يرى عكس ما يراه هذا الرأي -أي انه يجب نصب الإمام عند ظهور الظلم، ولا يجب نصبه عند ظهور العدل والإنصاف- إذن الرأي الثالث والرأي الرابع كلٌّ منهما يناقض الآخر.
وقد احتجّ الذاهب إلى أنه يجب نصب الإمام عند ظهور الفتن، ولا يجب عند ظهور العدل وإنصاف الناس بعضهم بعضًا؛ بأن وقوع الفتن والظلم بين الناس فيه ضرر، وكل ضرر يجب إزالته، فالنتيجة أن وقوع الفتن والظلم بين الناس يجب إزالته، ثم إنه لا يتأتّي إزالة ذلك إلا بسلطة قادرة عامة، لها حق أمر الناس ونهيهم، وهي سلطة الإمامة، فيجب إقامة الإمامة عند ظهور الظلم والفتن، وأما عند ظهور العدل والتناصف بين الناس، فلا ضرر واقع بين الناس حتى نقول بوجوب رفعه.
ويمكن أن نردّ على دليل من يقول بوجوب نصب الإمام عند ظهور العدل، ولا يجب نصبه عند ظهور الفتن، بأنه على العكس مما تقول؛ فإن وقوع الفتن بين الناس داعٍ من أعظم الدواعي لظهور سلطة قاهرة، تستطيع أن تعيد الحق إلى نصابه، وتمنع الفتن؛ حتى يعم العدل، وينتشر الآمان؛ لأن عدم وجود إمام في هذه الحال لَمِمّا يشجع القائمين بالفتن على التمادي في غيّهم وظلمهم، لا تخيفهم قوة، ولا يرهبهم سلطان، ولكنّ الواجب في هذه الحال هو إقامة