الرئيس، والتفاف جماهير الأمة حوله؛ حتى يستطيع بمعاونة أهل العدل من إقامة حكم الله، والقضاء على أسباب الفتن والاختلاف. هذا ردٌّ على من يقول بوجوب نصب الإمام عند ظهور العدل، ولا يجب نصبه عند ظهور الفتن.

ويمكن أن نردّ أيضًا على من ادعى وجوب نصب الإمام عند ظهور الفتن، وعدم وجوب نصبه عند ظهور العدل وأنصاف الناس بعضهم بعضًا، بأن الأدلة الصحيحة قد قامت على وجوب نصب الإمام مطلقًا، ولم تفرِّق بين حالي الأمن والفتنة، فالتفريق بين حال الأمن والفتن تفريق بلا دليلٍ؛ لأن الضرر كما يقع في حال الفتن يقع أيضًا في حال الأمن، فتظالم الناس لا يمكن أن يدّعي مدّعٍ أنه مقصورٌ على حال وقوع الفتن بين الناس؛ لأن ظلم الناس بعضهم بعضًا واقع مستمرّ في كل حال، لا فارق بين حال الأمن ولا فارق بين حال عدم الأمن، هذا واقع -ظلم الناس بعضهم بعض واقع- متسمرّ في كل حال، كما يؤيّده جريان العادة منهم على مرّ العصور، وإذا ما وقع التظالمُ في حال انتشار الأمن بين الناس، احتاج إلى إمامٍ لرفعه؛ لأنه ضررٌ يجب إزالته؛ ولأن وجوه الحاجة إلى الإمام ليست قاصرةً على حال وقوع الفتن؛ إذ أن الإمام يُحتاج إليه للنظر في مصالح الناس، والحكم بينهم بالحق؛ وليقيم حدودهم، ويجهز جيوشهم، وذلك غيرُ مقصورٍ على حالٍ دون حالٍ، بل هو عامٌّ في كلّ الأحوال. ثم هل يمكن أن يدّعي مدّعٍ أنّ الحال التي أجمعَ فيها الصحابة -رضي الله عنهم- على اختيار أبي بكر خليفةً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت حال وقوع فتن بين الناس؟! الجواب طبعًا بالنفي؛ فإنه لم تكن آنذاك بينهم حروب أهلية، وانتشار فتن؛ حتى يمكن أن يقال بضدِّ ذلك، وإذا ما بان أن حال الصحابة عندئذٍ لم تكن حال وقوع الفتنة، وقد اجمعوا فيها على نصب الإمام؛ دلّ ذلك على أن نصب الإمام ليس مختصًّا بحال الفتنة فقط، بل نصبه واجبٌ في كل حال، لا فارق بين حال الفتنة وحال الأمن والاستقرار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015