على هذا المعترض على الإجماع إنما نقول له: هذا الداعي موجود في كل وقت؛ ولذلك يجب نصب الإمام.
استودعكم الله، والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
4 - تابع مسألة نصب الإمام، وشروط رئيس الدولة (1)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعاملين سيدنا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد بدأنا في الحديث في المحاضرة السابقة عن مسألة هل يجب نصب الإمام أم لا؟ وتبين لنا أن هناك أربعة أقوال في المسألة؛ الأول -وهو رأي جمهور العلماء- ويقول: بوجوب نصب الإمام مطلقًا، أي: في حال الأمن، وفي حال الاضطراب، والثاني ويرى: عدم وجوب نصب الإمام مطلقًا، أي: في حال الأمن وفي حال الاضطراب، والثالث ويرى: عدم وجوب نصب الإمام في حال الأمن ووجوب نصبه في حال الاضطراب، والرابع ويقول: بوجوب نصب الإمام في حال الاضطراب دون حال الأمن.
وقد ذكرنا أدلة أصحاب الرأي الأول وهم جمهور العلماء القائلون بوجوب نصب الإمام في كل حال، سواء كان الحال حال أمن أو حال فتن واضطراب.
ونشرع الآن في بيان الآراء الأخرى، وبيان أدلتها فنقول:
إنه بالنسبة للرأي الثاني القائل بعدم وجوب نصب الإمام مطلقًا، فإنهم استدلوا بما يلي:
أولًا: يقولون: إن نصب الإمام مثير للفتنة، أي يترتب عليه الفتنة، وكل ما كان كذلك فهو غير واجب شرعًا، فإذن نصب الإمام غير واجب شرعًا. فأما أن فنصب الإمام مثير للفتنة، فبيانه أن أهواء الناس مختلفة، فقد تريد مجموعةٌ من الناس اختيار واحد للإمامة؛ لأنه في نظرها أصلح الناس في ذلك، وتريد مجموعةٌ أخرى تنصيبَ آخر لها، فيقع التناحر والتشاجر بين جماهير الأمة بسبب ذلك، والتجارب العددية تؤيد ما نقول. وأما أن كل كان مثير للفتنة غير واجب شرعًا فهو أمر ظاهر ولا يحتاج إلى دليل.
ومن أدلتهم أيضًا: أن دين الناس وطباعهم لَمِمّا يحملهم على رعاية مصالحهم الدينية والدنيوية، فلا حاجة بهم إذن إلى نصب من يحكم عليهم فيما يستقلون به، ألا ترى انتظام أحوال العُربان والبوادي في معايشهم الدنيوية وأحوالهم الدينية، مع أنهم خارجون عن حكم السلطان، لا يتحكم فيهم إمام، هذا هو الدليل الثاني من أدلة القائلين بأنه لا يجب نصب الإمام مطلقًا، لا في حال الأمن ولا في حال الاضطراب، ومضمون هذا الدليل أن طبائع الناس تحملهم على رعاية مصالحهم الدينية والدنيوية، ومعنى ذلك أنه لا حاجة بهم إلى نصب إمامٍ يحكم عليهم في أمورٍ هم يستقلون بها، ويستندون في ذلك أو يقيسون في ذلك على أحوال العُربان والبوادي، وهم القبائل الرُّحّل الذين لم تكن لهم حكومة ينطوون تحت سلطانها.