هذه هي أدلة أصحاب الرأي الأول، وهم جمهور الفقهاء وجمهور أهل السنة القائلون: أنه يجب نصب الإمام، واستدلوا بالأدلة الأربعة التي ذكرناها، ولكن هذه الأدلة لم تسلم من الاعتراض عليها، ولم تسلم من المناقشة، فمن هذا المنطلق نقول:
على الرغم من أن الإجماع -هذا هو الإجماع الدليل الأول الذي استدل به جمهور الفقهاء على وجوب نصب الإمام -يعتبر أقوى دليل من الأدلة التي استدل بها أهل السنة ومن وافقهم فيما يرونه من وجوب نصب الرئيس الأعلى على الأمة، إلا أنّنا نجد أن البعض قد أثار الجدل حول هذا الدليل، محاولًا إيجاد احتمال أن يكون الصحابة قد بادروا بنصب الإمام عند موت كل رئيس، نظرًا إلى ظرف خاصٍّ اقتضى مبادرتهم هذه. فيقول بعض المعترضين: إن ذلك يدل -إن كان دالًّا- على حسن إقامة الإمام، وجواز نصبه، ولا يدل على وجوب ذلك في كل عصر وزمان؛ لأنه لا يُمتنع أن يكون العاقدون لأبي بكر والمجتمعون للشورى، إنما بادروا إلى ما بادروا إليه وحرصوا عليه؛ لأن الحال اقتضته -يعني هو الظروف اقتضت ذلك، وربما إذا لم توجد هذه الظروف لم يفعلوا ذلك- ولأنه غلب في ظنونهم أن إهمال العقد فيه فساد وانتشار، وليس فيمن يخالف في وجوب الإمامة على كل حال من ينفي حسنها، ويدفع أن يقتضي بعض الأحوال الفزع إليها؛ ولذلك يقول هذا المعترض: إن الإمام قد يجوز أن يُستغنى عنه في بعض الأحوال، التي تغلب في الظن أن الناس فيها يلزمون فيها الصلاح والسداد في الأكثر، هذا الاعتراض ينصب على أنّ الإجماع الذي استدل به أهل السنة، أو غالبية الفقهاء، وجمهور العلماء، على وجوب نصب الإمام، وهو الإجماع، وهو أن الصحابة قد أجمعوا على خلافة أبي بكر، المعترض يرد على ذلك ويقول: ربما الذي دفع المسلمين إلى ذلك ظروف معينة، لكن إذا لم توجد ظروف في بعض الأوقات فإن ذلك ليس معناه وجوب نصب الإمام. فهذا النوع تشكيك في الإجماع.
لكن الفقهاء ردوا على ذلك، فنقول ردًّا على هذا: بأن الظاهر من فعل الصحابة من إقامتهم إمامًا جديدًا عند موت كل إمام، وتكرّر ذلك منهم في أحوالٍ عديدةٍ، أن ذلك لوجود الداعي في كل حال إلى إقامة هذا الإمام. فالرد عليه أو