أنهم يدّعون أنهم أولى بالخلافة منه، بل كان لأمور أخرى، وهذه الأشياء التي سردناها إنما تدل على أن الإمامة لم تكن سببًا في أن اقتتل المسلمون، ولذلك هي لا تعتبر من العقائد، وإنما تعتبر من الأمور العملية التي يبحثها علم الفقه.
وعلى الرغم من المبالغة في عبارة الشهرستاني كما بيّنا إلا أن هذا لا يمنع القول بأن رياسة الدولة أو الإمامة العظمى أخذت من اهتمام جماهير الأمة قدرًا لا يتوافر مثله إلا للقليل من المسائل؛ اهتمامًا بلغ درجة الخلاف الواصل في بعض الأحيان كما قلنا إلى حدّ لقاءات السيوف بين المسلمين، وأحدثت نزاعًا سياسيًّا وفكريًّا بين طوائف الأمة أدى فيه السيف دوره في بعض الأحيان، وأدى فيه كل من اللسان والقلم دوره في كثير من الأحيان، وقد أصبحت الإمامة العظمى أو رياسة الدولة أعظم مشكلة تدور حولها البحوث السياسية الإسلامية خلال العصور المختلفة، وصارت هي المحور الذي لا تفترق عنه أفكار الباحثين في هذا المجال الخطير.
الشيعة هم أول من كتب في الإمامة العظمى، لقد صار للإمامة العظمى دور خطير في ميدان البحوث العلمية وضع أساسه شيعة عليّ -رضي الله عنه- وأضاف له غيرهم نتائج بحوثهم وأفكارهم، وكانت الآراء الخاصة بالإمامة العظمى تروى بطريق المشافهة التي تأخذ شكل مناظرات أو تكتب في الرسائل التي تتبادل بين المهتمين بها، أو تأخذ شكل الدرس أحيانًا، ولكن لم يظهر التأليف والكتابة المنظمة إلا في العصر العباسي الأول.
ولقد كانت الشيعة أول من كتب في الإمامة العظمى كتابات علمية منظمة نشأت نتيجة الخلاف الذي كان بينهم وبين مخالفيهم من الخوارج والمعتزلة وأهل السنة، ولما كان هذا العصر عصر الازدهار العلمي فقد راجت فيه العلوم وانتشرت