المناظرات والمجادلات، فقد بدأت الفرق الأخرى من المعتزلة والخوارج تشتبك مع الشيعة في جدل علمي يردّون به على القضايا التي يثيرها الشيعة، فنتج عن ذلك نتاج فكري خصب أضيف إلى ما لدى المسلمين من علوم، وبينما كان الجدل يجري بين الشيعة وغيرهم من الخوارج والمعتزلة كانت هناك جماعة أخرى بعيدة عن الجدال الدائر حول مسائل علم الكلام، وهي جماعة المحدثين أو أهل السنة الذين كانوا ينفرون من الخوض في مسائل علم الكلام ويشغلون أنفسهم باستنباط الأحكام الفقهية من الكتاب والسنة، ولهذا فإن بحوث أهل السنة المتصلة بموضوع الإمامة العظمى جاءت متأخرة عن بحوث غيرهم من من الفرق الأخرى، ولقد كان المتصدون للشيعة أولًا هم المعتزلة الذين مهدوا الطريق لأهل السنة الذين بدورهم أخذوا يدلون بدلوهم في هذا المجال الجديد، ولما كان الشيعة كما قدمنا هم أول من تكلم في الإمامة العظمى فقد أدرجوا بحوثهم المتصلة بها في علم الكلام؛ لأنهم يدّعون أن الإيمان بالأئمة جزء من الإيمان ولا يكون المرء مؤمنًا حتى يؤمن بالإمام، هذه الفكرة المسيطرة عليهم، هذه الفكرة هي التي جعلتهم يتكلمون عن الإمامة ويبحثوها في علم الكلام الذي هو علم التوحيد إذا صحّ التعبير، فإذن جعلوها من العقائد، وبحثوها على أنها من العقائد وليست من أحكام الفروع، بل يعتقد بعضهم أن الله لم يخلق خلقه إلا لأجل أئمتهم فيقول بعضهم: ونعتقد أن الله -تبارك وتعالى- خلق جميع ما خلق لأهل بيته -عليهم السلام- وأنهم لولاهم لما خلق الله السماء والأرض ولا الجنة ولا النار ولا آدم ولا حواء ولا الملائكة ولا أشياء مما خلق صلوات الله عليهم أجمعين، ويقول بعضهم: لا يكون العبد مؤمنًا حتى يعرف الله ورسوله والأئمة -عليهم السلام- وإمام زمانه،