وكانت مكة ولها المكانة العظمى بين مدن الحجاز لا يحكمها ملك، وإنما الحكم فيها كان مسندًا إلى عدة رجال من الأسر الكبيرة، قسموا الأعمال العامة فيما بينهم، وقد استقر الرأي على أن يكون أكبرهم سنًّا هو الذي يتولى الرياسة ويلقبونه بسيد القوم، وكان أسنهم -يعني: أكبرهم سنًّا- في أيام النبي -صلى الله عليه وسلم- هو العباس بن عبد المطلب.

وكان يتنازع الزعامة في يثرب جماعتان هما الأوس والخزرج، قامت الحروب بينهما واستمر الجدل طويلًا حتى استقروا على أن يكون الحكم بينهما بالتناوب، فيحكم المدينة زعيم من زعماء الحي الواحد على أن يكون الحاكم في العام القادم من زعماء الحي الآخر.

وقد ظهر بأطراف شبه الجزيرة العربية ممالك صغيرة متفرقة، فنرى ممالك اليمن في الجنوب كمملكة سبأ والتي كان لها شهرة واسعة وبخاصة بعد أن تكلم عنها القرآن الكريم وحكى قصة ملكتها بلقيس مع النبي سليمان -عليه السلام- ويلاحظ أن اليمن قام بها نظام سياسي يخالف النظام الذي ساد مدن الحجاز، فبينما نجد هذه المدن لم يقم بها نظام ملكي نرى أن النظام الملكي قد قام باليمن لأسباب اقتصادية وتاريخية واضحة الأثر، فلم تكن بين مدن الحجاز روابط اقتصادية تقتضي خضوعها لنظام واحد كما حدث في اليمن، فقد قامت في اليمن تلك الروابط الاقتصادية التي تستلزم وجود قواعد عامة يحترمها الجميع ويطبقونها في الحكم فيما بينهم، زيادة على ذلك فإن اليمن قد بليت بالاستعمار الحبشي والفارسي، والاستعمار يهمه أن يكون استيلاءه عل البلاد كاملًا، فأقام الأحباش والفرس حاكمًا للبلاد تكون كلها خاضعة لسلطانه بالقوة إن لم يخضعوا له بالرضا والاختيار، ولم يُبتلَ الحجاز كاليمن بالاستعمار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015