ومن كل ذلك نرى أن الفكرة القبلية كانت هي المسيطرة على شبه الجزيرة العربية، وهي عماد الحياة سياسيًّا واجتماعيًّا، وأنه لم تكن هناك حكومة مركزية تسيطر على بلاد العرب قبل الإسلام وتعزز جانب القانون وتعمل على إقرار النظام في البلاد، فلم يهيأ للقانون أية قوة تحميه وتصونه بل كان على صاحب الحق أن يعمل على نزعه بعصبيته وقوته.

وكان ظهور دين محمد -صلى الله عليه وسلم- إيذانًا بانتهاء عصر التحكم والسيطرة والفوضى الذي عاشت فيه الجزيرة العربية، فقد كان للإسلام الفضل الأسمى على جماهير الناس الذين انتشلهم من حياة العسف والاستبداد ونهاية التحكم من الحكام للمحكومين، فقد عرفت الجزيرة العربية قبل الإسلام ضروبًا من الطغيان والاستبداد لا تقل عن ضروبه المشهورة التي عرفت في الشعوب الأخرى، فبعض قبائل البادية والحاضرة قد سادها زعماء يقيسون عزتهم بمبلغ اقتدارهم على إذلال غيرهم، ولعل كتب التاريخ والأمثال تعطي وصفًا لما كان عليه بعض الجبارين من حكام العرب في الجاهلية، فقد قيل في أسباب المثل القائل: لا حُرّ بوادي عوف: أنه كان يقهر من حلّ بواديه، فكل من فيه كالعبد له لطاعتهم إياه، وبلغ من جبروت أحدهم أنه أمر ألا تزفّ فتاة إلى زوجها قبل أن تزف إليه. ففضل الإسلام ظاهر في رفع هؤلاء الناس من حضيض الانحطاط إلى نوع من الحياة سام، وأفق من العزة رحب لم يكونوا بالغيه إلا بظهور الدين الجديد الذي بشّر به محمد -صلى الله عليه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015