مشيخة القبيلة التي يعتمد عليها رئيس القبيلة في تسيير دفتها، ولا يستطيع أن يشنّ حربًا أو يعقد صلحًا أو يتخذ غير ذلك من القرارات التي تؤثر في حياة القبيلة إلا بعد أخذ رأي هذا المجلس، فلم يكن حكم القبيلة جاريًا بنصوص قانونية تحكمها وتنظم علاقات الناس بعضهم ببعض كما نعهده في القوانين التي تحكمنا اليوم، وإنما كان الحكم فيها جاريًا بتوجيه من الغريزة والفطرة، يرتضون نظامًا يتفق مع مفاهيمهم الساذجة فيصير بمرور السنين عرفًا لا يستطيع فرد أن يغير منه شيئًا بسهولة، وسواء في هذا العرب الذين يعيشون في الصحراء مثل نجد وأطراف الحجاز والعرب الذين أخذوا بشيء من الحضارة الذين يقطنون المدن كمكة والمدينة أو في أطراف شبه الجزيرة كممالك اليمن في الجنوب ومملكة الحيرة في الشمال الشرقي ودولة الغساسنة في الشمال الغربي.
وكان لكل قبيلة عرف وتقاليد خاصة قد تخالف ما للقبائل الأخرى من أعراف وقد تتفق معها في كثير أو قليل، وفي أواسط الجزيرة العربية وبين الحكم القبلي وجدت مملكة وحيدة لم تستطع أن تعمّر إلا مدة تقارب الخمسين عامًا وهي مملكة كندة التي قضى عليها ملوك الحيرة والتي ينسب إليها امرؤ القيس أحد شعراء المعلقات المشهور.
وإذا ما تركنا أواسط شبه الجزيرة العربية وانتقلنا إلى الحجاز نجد مدنًا ذات حياة سياسية خاصة، فكل مدينة من مدن الحجاز تحكم نفسها وتستقل عن الأخرى تمام الاستقلال، وهكذا كان الأمر في مكة وفي المدينة وفي الطائف، ونجد كل مدينة تتحكم فيها أيضًا الروح القبلية وتسيطر عليها سيطرة تامة، بل نجد العربي مع وجوده في المدن لا يعرف الانتساب إليها بل لا ينتسب إلا إلى قبيلته، فلم يعرف العرب الانتساب إلى المدن إلا في القرن الثاني الهجري.