ولم يكن لهم نظام معين لنقل سلطة شيخ القبيلة وإذا ما تضخمت القبيلة وتشعبت فروعًا كثيرة يتمتع كل منها بحياة منفصلة ووجود مستقلّ ولا تتحد إلا في ظروف غير عادية اشتراكًا في الدفاع عن القبيلة أو قيامًا بغارات بالغة الخطورة، وقد تتعدد الرياسات في بيت واحد متى توافرت له أسباب الغلبة والعصبية، فيتناقلها قوي عن قوي يسود أفراد قبيلته، فقد يكون لرئيس القبيلة ابن الابن يعدله في الشرف والمكانة والسطوة وحينئذ يستطيع أن يتبوأ مكان الرياسة من أبيه، إلا أنه نادرًا ما كان يتعاقب السيادة والرياسة ثلاثة أفراد من قبيلة واحدة.

وكان يعاون شيخ القبيلة مجلس يسمى مشيخة القبيلة الذي يمثل الرأي العام في القبيلة والذي يختار أفراده ممن برزوا في الرأي والمواهب التي تعتز بها القبائل، فكان من بين أفراده شاعر القبيلة التي تعتمد عليه في إظهار مناقبها والتغني ببطولاتها، ويضمّ حكام القبيلة من أهل الشرف الذين اشتهروا بين الناس بالصدق والأمانة والتجربة وسداد الرأي وكبر السن الذين لهم الشهرة بين الناس بالقدرة على الفصل في خصوماتهم في مسائل النسب والفصل والتركة والدماء، وهؤلاء الحكام لم يكونوا يحكمون بقانون مدون ولا قواعد معروفة، وإنما يرجعون إلى عرفهم وتقاليدهم التي كوّنتها تجاربهم أحيانًا، وما وصل إليهم عن طريق اليهود أحيانًا أخرى، ولم يكن لهذا القانون الجاهلي المؤسس على العرف والتقاليد جزاء، ولا كان المتخاصمون ملزمين بالتحاكم إليه والخضوع إلى حكمه، فإن تحاكموا إليه فبها وإلا فلا، وإن صدر الحكم أطاعه إن شاء.

ويضم المجلس أيضًا من بين رجاله الشجعان الذين اشتهروا بالفروسية، وبعض الأفراد من ذوي المكانات الخاصة كالعراف والكاهن، هذا بالإضافة إلى شيوخ العشائر والذين اكتسبوا التجارب من الحياة لكبر سنهم، فهؤلاء كلهم يمثلون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015