وإذا نظرنا إلى الأنظمة السياسية التي عاشت مع العرب قبل الإسلام نجد بعضها عاش مع البدو في الجهات الصحراوية مثل نجد وأطراف الحجاز، حيث كانت القبيلة على صغرها هي الوحدة السياسية، يرتبط أفرادها برباط الدم والعصبية، ولا يخضعون لسلطة ما حتى ولا سلطة رئيس القبيلة الذي كان يمكن أن يرفض حكمه أي فرد في القبيلة وما كان عليه إلا أن يعتمد على قوته إن كانت لديه القوة، أو يهجر القبيلة كلها إن استشعر الخوف منها ويلجأ إلى قبيلة أخرى، فقد كان الواحد منهم لا يعتبر زعامة شيخ قبيلته أو سلطته إلا رمزًا لفكرة عامة شاءت الظروف أن يأخذ هو منها بنصيب، بل كان هو مطلق الحرية في أن يرفض ما اجتمع عليه رأي الأغلبية من أبناء قبيلته، إلا أن هذا لا يمنعنا من القول بأن بعض القبائل كان حكم رؤساءهم فيهم نوعًا من الجبروت والظلم، حتى أذلوا الناس إذلالًا لم يقض عليه إلا ظهور الدين السماوي الجديد الذي بشر به محمد -صلى الله عليه وسلم.
ونظرًا إلى أن القبائل تعتبر وحدات مستقلة كانت البلاد مقسمة إلى مناطق نفوذ متعددة، كل منطقة تسيطر عليها القبيلة التي كانت لها الغلبة على تلك المنطقة، وكان يرأس القبيلة واحد من أبنائها تعتمد عليه في قيادته في معاركها المتعددة التي تخوضها ضدّ القبيلة الأخرى نهبًا لما لديها أو استردادًا لحق انتزعته الأخرى منها، وكان رئيس القبيلة يُختار ممن تتوافر فيهم شروط الخاصة من كثرة المال وعِظَم النفوذ والتمتع بالحظوة بالاحترام من أفراد القبيلة؛ لشجاعته وسداد رأيه وكمال تجربته مع كِبر سنه وعصبيته، ولم يكن اختيار رئيس القبيلة أو شيخها يتمّ بالطرق التي نعهدها الآن في اختيار رؤساء الدول، وإنما كان يختار اختيارًا تلقائيًّا إذا توافرت فيه الشروط التي يطلبونها دائمّا في رئيسهم،