والذي يجب التنبيه عليه في هذا الصدد أن الحقوق والحريات في النظام الإسلامي ليست مطلقةً عن كل قيد، فبالإضافة إلى ما ذكرنا من الموازنة بين المصلحتين الخاصة والعامة، يجب دائمًا أن يتحمل الضرر الأخف في سبيل رفع الضرر الأعلى -كما تقول بذلك القواعد الفقهية- فمثلًا إذا كان الشارع يقرر للأفراد الحق في التملك، فهو يقيده بضرورة أن يكون ناشئًا عن سبب شرعي، كالاستيلاء على المباحات، أو العقود والتصرفات: كالبيع، والهبة، والوصية، والإجارة، والشركة ... ونحو ذلك، بشرط أن تكون هذه العقود مستوفيةً لأركانها وشرائطها على النحو الذي رسمه الشارع، وقد ينشأ الملك عن الإرث، وهو في هذه الحالة ملك قهري بحكم الشارع وليس بإرادة كل من الوارث أو المورث، كما رسم الإسلام سبل استثمار المال وتنميته، بطريقة تنفي عن المجتمع أن يكون متلطخًا بأدران الربا، أو منغمسًا في مباءة الكسب غير المشروع عن طريق الاتجار في المحرمات، كالمخدرات، والخمور ... وأشباه ذلك، مما تعج به المجتمعات الحديثة التي تتشدق بالحرية بملء أفواهها وهي لا تمتّ لها بصلة.
وكذلك أذن الشارع في الانتفاع بالمال من غير إسرافٍ ولا تقتيرٍ، وأن يكون الإنفاق في الوجوه الشرعية المعتبرة.
ويجوز في النظام الإسلامي نزع الملكية الخاصة؛ لتوسعة طريق عام، أو شق مجرى نهر ... ونحو ذلك من المنافع العامة.
كما يجوز بيع الملك جبرًا على صاحبه في تسديد ديونه، فتلك إذن كلّها قيود وردت على حق الفرد في التملك؛ ليكون الحق في نطاقه الفردي والجماعي الذي رسمه له الشارع، ولا يكون وسيلةً للاستبداد، أو الطغيان، أو الإضرار بالآخرين.