ومفهوم الحرية في الفكر الفردي الذي نادى به مجموعة من الفلاسفة، مثل "جان جاك روسو" و"جون لوك" و"فولتير" ... وغيرهم، هذا المفهوم يختلف عنه تمامًا في الفكر الاشتراكي، الذي رفع لواءه "كارل ماركس" ومن سار على دربه؛ لأن الحريات في نظر أصحاب الفكر الاشتراكي لا يمكن كفالتها إلا في ظل بيئة معينة، ومجتمع اشتراكي تقوم الدولة بتحقيقه؛ ومن هنا جاءت التجربة الشيوعية في روسيا لتطبيق تلك النظريات التي جاء بها رواد الفكر الاشتراكي.

وأما في النظام الإسلامي فالحقوق الفردية تتقرر على أساس رُوحي، قوامه: أن الآدميين جميعًا مكرمون من قبل الخالق -سبحانه وتعالى- يقول تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء: 70) وهم جميعًا حكامًا ومحكومين مخلوقون لعبادة الله -سبحانه وتعالى- يقول تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56) والعبادة تعني الخضوع الاختياري لسلطان الله المطلق، وتعريف شئون الفرد أو الجماعة على حسب ما فصل -سبحانه- في شرعه، فالحقوق والحريات الفردية أو الجماعية بالنظام الإسلامي أساسها العقيدة، ونظامها الشريعة، وهي منح إلهية من الخالق -سبحانه وتعالى- الذي كرّم الجنس، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلًا؛ وبهذا وحّد الإسلامُ الغايةَ بالنسبة لكل من الفرد والدولة، فهي عبادة الله والخضوع لسلطانه، بتنفيذ شرعه في الحقوق والحريات؛ ومن ثم لا نجد في النظام الإسلامي عدوانًا على حقٍّ مهما كانت طبيعته، فحقوق الأفراد وحرياتهم محميةٌ ومرعيةٌ، ولكن ليس على حساب الجماعة، وكذلك العكس، ولكن مع عدم الاستبداد أو الطغيان الذي يؤدي إلى وأد مصالح الأفراد، فهناك إذن توازنٌ بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، بحيث لا تطغى مصلحة على الأخرى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015