يبكون من كثرة الجوع- وهي تعللهم -يعني: كأنها تضحك عليهم حتى يناموا، يعتقدون أنها تطبخ لهم شيئا، وليس في القدر إلا الماء فقط- فيناموا على ذلك، فقال لها لم لا تذهبين إلى عمر -وكانت تجهل أنه المتحدث، كانت لا تعرف أنه عمر- ليساعد على إطعامهم؟ فقالت: الله بيننا وبينه، فجزع عمر جزعًا شديدًا، خاف خوفًا شديدًا، وقال لها -وقد استبد به الجزع والحزن-: وما يدري عمر بكم؟ -يعني: وما الذي يعلم عمر بما أنتم فيه، هو لا يعلم ذلك- فقالت: يتولى أمرنا، ويغفل عنا.
وهذه القصة على بساطتها ترسم ما كان عليه المسلمون الأُول، حكاما ومحكومين، وكان عمر يرى أنه ولكونه مسئولا أعظم شأنا، وأكثر خطورة عما سواه من الولاة والحكام، كان من المحتم من منطق عدل عمر أن يكون هو وأسرته قمة قدوة لأفراد المجتمع الإسلامي؛ لذلك ضاعف العقوبة على أهل بيته إذا ارتكبوا ما يخالف أوامر الشرع ونواهيه، وما أمر به عمر الرعية، وفي هذا الصدد يقول عمر: قد سمعتم ما نهيت، وإني لا أعرف أن أحدا منكم يأتي شيئا مما نهيت عنه إلا ضاعفت له العذاب ضعفين.
أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
2 - الحقوق والحريات في النظام الإسلامي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
بدأنا الحديث في القاعدة الرابعة وهي مسئولية الحكام، وذكرنا دليل هذه المسئولية من الكتاب، ثم دليلها من السنة، ثم دليلها من السوابق التاريخية في عهد أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- ونواصل الحديث فنذكر التطبيق في عهد عثمان بن عفان -رضي الله عنه وأرضاه- فنقول:
أما في عهد عثمان بن عفان فإنه -رضي الله عنه- وإن كان مسلكه الشخصي، وصدقه، وأمانته، وورعه، وتضحياته من أجل رفعة الإسلام والمسلمين، لا شك فيها، إلا أنه -رضي الله عنه- قتل شهيدًا لكون جمهور الثائرين يرون مسئوليته عن تسلّط بني أمية على رقاب المسلمين؛ ولأنه توانى في حقهم، واستعمل أقرباءه على الولايات المختلفة ... إلى غير ذلك من المآخذ التي أخذها السائرون عليه، والتي كانت سببًا لاستشهاده، وهذه الأسباب وإن كانت لا تطعن في ورع عثمان -رضي الله عنه- وتقواه وأمانته،