وهكذا كان عمر يتشدد في معاملة أو في محاسبة عماله حتى أنه أراد أن يكون رجل من عامة الناس، ومن الرعية قال: له اقتص من الوالي عمرو بن العاص، وهذا إن دل فإنما يدل على مدى العدالة التي كان يراعيها عمر بن الخطاب مع الرعية، ولقد كان عمر يتشدد في مسئولية الولاة عن تصرفاتهم، ويرى أنه مسئول عن تصرفاتهم طوال مدة حكمه.
وكان يرى أنه مسئول عن كل شيء في الدولة الإسلامية؛ لذلك كان يتحسس البعير، ويقول: إني لخائف أن أسأل عما بك، وقال -رضي الله عنه-: لو ند جمل ضياعا على شط الفرات، لخشيت أن يسألني الله عنه؛ لأن الدولة لم تمهد له الطريق، فهو يخاف أن يضيع جمل، فيكون مسئول عنه أمام الله -تبارك وتعالى.
وإذا كان هذا موقف عمر، فإن هناك موقفا مقابلا له، وهو موقف المحكومين، فقد كانوا يرون أن الخليفة مسئول عن أفعاله وتصرفاته إلى جانب مسئوليته عنهم.
يروي ابن الجوزي: أن عمر بن الخطاب قال في أول خطبة له: إن رأيتم فيًّ اعوجاجًا، فقوموني ويرد أحد المسلمين على عمر بقوله: والله لو رأينا فيك اعوجاجًا لقومناه بحد السيف، ويرد عمر بقوله: الحمد لله الذي جعل في المسلمين من يقوم عمر بحد السيف.
وترسم مواطنة مسلمة الفهم الإسلامي لحدود، ونطاق مسئولية الخليفة بطريقة لم يعرفها في الماضي، والحاضر أي: تشريع وضعي يروى أن عمر بن الخطاب مر ليلا بأعرابية، وهي تعلل صغارها بالموقد وضعت عليه قدرًا بماء خالص لا شيء فيه؛ لأنها ليس عندها طعام تطعمه أولادها، وهي تعلل صغارها بالموقد، ولما دنا منها سيدنا عمر وسألها ماذا تصنعي يا امرأة؟ وما بال الصبية يتضاعفون -يعني: يبكون- أجابته بأنهم يتضورون جوعًا -يعني: