فتكفروهم، ولا تجبروهم فتفتنوهم، وكل من يخالف هذا المبدأ، فإنه يعاقب بالعقوبة المناسبة التي تتلاءم مع الضرر الذي وقع بالمسلمين يروي ابن سعد عن عمرو بن العاص قال لعمر -رضي الله عنه- يا أمير المؤمنين: أرأيت إن أدب أمير رجلًا من رعيته أتقتص منه؟ فقال: عمر وما لي لا أقتص منه! وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقص من نفسه، وما يفهم من هذه الرواية أن المسئولية لا تكون عن التأديب الذي يكون نتيجة لمخالفة الشخص لقواعد الشريعة، وإنما تنصرف المسئولية إلى حالة ما لو أدب الوالي رجلا من الرعية بدون مقتض -يعني: بدون سبب- أو كان هذا التأديب قد تجاوز فيه الأمير السلطة، بأن تحقق عدم التناسب بين الفعل المخالف للقانون، وبين وسيلة التأديب، ففي هاتين الحالتين لا يكون تأديبا، وإنما يكون ظلما لا يقره الشرع، ويجب القصاص مقابلة له، وهو ما يفهم من بقية القصة كما يرويها ابن سعد.

كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يأمر عماله أن يوافوه بالموسم، يعني: موسم الحج، يعني: يأتوا إليه في موسم الحج، فإذا اجتمعوا قال: أيها الناس إني لم أبعث عمالي عليكم؛ ليصيبوا من أبشاركم، ولا من أموالكم، وإنما بعثتهم؛ ليحجزوا بينكم، وليقسموا فيأكم بينكم، فمن فعل به غير ذلك، فليقم فما قام أحد إلا رجل واحد، قال: فقال يا أمير المؤمنين: إن عاملك فلانا يقصد عمرو بن العاص ضربني مائة سوط، قال: فبم ضربته يا عمرو؟ ولما أيقن عمر أنه ضربه بلا مبرر، قال للرجل قم فاقتص منه أي: اقتص من عمرو بن العاص، فقال عمرو بن العاص يا أمير المؤمنين: إنك إن فعلت هذا يكثر عليك، ويكون سنة يأخذ بها من بعدك فقال: ما لي لا أقيد، وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقيد من نفسه، قال عمرو بن العاص: فدعنا فلنرضه قال: دونكم فارضوه، فافتدى منه بمائتي دينار كل سوط بدينارين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015