أن التقويم لا يتحقق إلا لكون الخليفة مسئولا، ويجب أن يخضع لحكم القانون، وعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يرى أنه مسئول ليس فقط عن تصرفاته الشخصية، وإنما عن تصرفات عماله، وولاته، وإعمالا لما كان يراه عمر في مسئولية الحاكم، فإن نطاق المسئولية يمتد في منهجه في الحكم ليشمل مختلف الأنشطة والأماكن والميادين في المجتمع.
ولا نرى حاكما في الشرق أو الغرب صور المسئولية كما صورها عمر، ومما يروى عنه -رضي الله عنه- أنه قال: أيما عامل لي ظلم أحدا، فبلغتني مظلمته فلم أغيرها، فأنا الذي ظلمته ولكونه كان يعتبر أنه مسئولا عن عماله، وولاته فإنه كان يشتدد في اختيار الولاة، ولا يختار أحدهم لأي عمل من الأعمال، إلا إذا كانت قد توافرت فيه الشروط التي يتطلبها ذلك العمل في من يقوم به، وكان موثوقا في أمانته، وورعه لذلك فإنه كان يتولى البت في الأمور بنفسه، وما لا يستطع أن يرفع إليه من مشاكل الأقاليم والولايات المختلفة، فإنه يختار لها أهل القوة والأمانة، ومما يؤثر عنه -رضي الله عنه- قوله: فمن كان بحضرتنا باشرناه بأنفسنا هو يتحدث عن العمال، ومن غاب عنا وليناه أهل القوة والأمانة، فوالله لا يحضرني شيء من أمركم فيليه أحد دوني، ولا يتغيب عني فألو فيه الجزء والأمانة، ولئن أحسنوا لأحسنن إليهم، ولئن أساءوا لأنكلن بهم، يتكلم عن عماله وكأنه يقسم ويقول: ولئن أحسنوا يعني: أحسنوا إلى الرعية، وعاملوهم برفق وبإحسان وبعدالة لئن لأحسنن إليهم، ولئن أساءوا لأنكلن بهم، ولكونه مسئولا عن عماله، فإنه كان يتشدد في رقابتهم ومحاسبتهم على تصرفاتهم، وكان يؤكد في مراسلته العديدة لهم، أو في الاجتماعات السنوية التي كان يعقدها في مواسم الحج، ألا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تحرموهم