ومن ثم فإن الشورى تعد ضمانة من الضمانات الأساسية التي قررتها الشريعة للحيلولة دون مخالفة قواعدها الشرعية، أو الاستبداد بالسلطة والانحراف بها عن المصالح الأساسية التي ابتغتها، وهدفت إليها.
والسوابق التي توضح إعمال هذا المبدأ في عهد النبوة من ناحية، وفي عهد الخلفاء الراشدين الأول من ناحية أخرى، أوضحت بما لا يثير أدنى شك أن العمل بنتيجة الشورى حتمي لا يجوز مخالفته، وفي الحالات النادرة التي يعمل فيها برأي الأقلية كان يوجد سبب خطير وقوي، يبرر ذلك، كما حدث في عهد الخليفة الأول أبي بكر في محاربته لأهل الردة، فقد شاور الصحابة فيما يجب أن يتخذ، وكان رأي الأغلبية هو عدم محاربتهم، وكان رأيه -رضي الله عنه- على خلاف ذلك؛ لأنهم فقدوا صفة أساسية من الصفات التي لا يتوفر شرط الإسلام إلا بها، وهو إنكارهم للزكاة وعدم أدائهم لها، ولقد أدت الحوادث اللاحقة إلى تأييد وجهة نظره، وأكدت صحة قراره، وقد اعترف عمر بن الخطاب الذي كان من بين المعارضين لأبي بكر في محاربة هؤلاء أهل الردة، بخطأ الرأي المعارض.
فالخليفة وسائر أعضاء السلطة العامة يلتزمون كمبدأ عام باتباع نتيجة المشاورة التي يقدمها المسلمون طالما لا يوجد سبب خطير، وقوي يؤدي إلى العدول عن نتيجة هذه المشاورة، والخليفة هو الذي يقرر وجود سبب يؤدي إلى هذا العدول، كما أنه وحده الذي يتحمل نتيجة هذا القرار المخالف لرأي الأغلبية، كما أنه ليس ملزما من ناحية أخرى باتباع رأي الأقلية، إلا إذا توفرت لديه مبررات قوية بأن رأي الأقلية هو الرأي الذي يتفق مع المصلحة العامة للمجتمع الإسلامي.