أن القول بالعزل في هذه الحالة من الأمور المجمع عليها، وعندما نتحدث عن الشورى، ومسئولية السلطات العامة نقول: سبق أن نبهنا إلى أنه في نطاق الدور الذي تمارسه الأمة في التشريع يتحتم أن تلتزم السلطات العامة بما توصل إليه مجتهدو الأمة من أحكام، بحيث لا يكون لأي عضو من أعضاء السلطة العامة المشاركة في هذا الحق إلا إذا كان مجتهدا، وأجمع هو وغيره من مجتهدي الأمة على حكم شرعي.
ومن ثم فإن دور الأمة في التشريع في الفقه الإسلامي ليس للحاكم وحده، ولا يكون له أن يستبد أو ينفرد به، وإنما هو للأمة، وفقا للحدود والأوضاع التي بيناها فيما سبق.
أما في مجال التنفيذ، فإن التزام السلطة العامة بهذا الواجب حتمي سواء في مرحلة اتخاذ القرار، أو في مرحل التزام تطبيق ما ينتهي إليه المتشاورون، ذلك أنه في غالب الأمر يكون هذا القرار صوابًا، وقد نسب القرطبي إلى الحسن أنه قال: ما تشاور قوم بينهم إلا هداهم الله لأفضل ما يحضر بهم، فإذا ما التزمت الأمة بالشورى، وأخلصت النية بهدف الوصول إلى الحق والصواب، وكان ذلك هو الهدف الأساسي لأهل الشورى من غير ميل إلى هوى، ولا حيدة عن الحق، فإن الله سوف يسدد خطاهم ويهديهم إلى الصواب، ويوفقهم في الوصول إليه، وذلك لأن مشاورة الفقهاء والعلماء أبعد عن الخطر.
والخطر الواقع على الأمة إذا لم تعطِ هذا الحق، وانفرد به أحد أعضاء السلطة العامة مؤكدا كما أنه يؤدي إلى التسلط والاستبداد؛ لذلك فإننا نرى أن الرأي الذي يرى بأن الحاكم الذي يحرم الأمة من هذا الحق -أي: حق الشورى- ولا يلتزم به، ويستبد برأيه فإنه يكون واجب العزل، هذا هو الرأي الصواب.