وإذا ما عمل الخليفة برأي الأقلية، فهو أيضا الذي يتحمل وحده مسئولية مخالفة رِأي الأغلبية، إذا تبين بعد ذلك أنه كان مخطئا في إتباع هذا الرأي، وإذا ما أقدم الخليفة على رأي الأغلبية، فإنه لا يكون مسئولا إذا تبين بعد ذلك أن هذا الرأي لم يكن صوابا؛ لأن الخطأ هنا لا يتحمله الخليفة، وإنما تتحمله الأمة كلها، فإذا أخطأ فهم -أي: أهل الشورى- المخطئون، وإذا أصاب فهم المصيبون، ولا يجوز من باب المنطق أن يتحمل الخليفة أو أي شخص ممن يمارسون السلطة العامة خطأ أغلبية أهل الشورى، وهم بطبيعة الشروط التي يجب أن تتوفر فيهم علماء الأمة وأخيارها.

ويرى القرطبي رأيًّا ينسبه لأحد العقلاء يقول فيه: قال: بعض العقلاء ما أخطأت قط إذا جذبني أمر شاورت قومي، ففعلت الذين يرون، فإن أصبت فهم المصيبون، وإن أخطأت فهم المخطئون، ويروي القرطبي في موقع آخر، وقال أعرابي: ما غبنت قط حتى يغبن قومي، قيل: وكيف ذلك؟ قال لا أفعل شيئا حتى أشاورهم؛ ولذلك قيل: بأن الخطأ مع المشورة أصلح من الصواب من الانفراد، والاستبداد إلى جانب أن التزام الخليفة بنتيجة الشورى، فإن ذلك إلى جانب أنه يرفع مسئولية الخليفة إلا أنه في ذات الوقت يؤدي إلى تربية الأمة التربية السياسية الصحيحة، ويجعلها تتدارك هذا الخطأ في المستقبل، وهو أفضل بكثير من العمل برأي الحاكم، وإن كان صوابا؛ لأن جعل الرأي للحاكم وحده مسوغ للاستبداد، والتسلط لا يعترف به الفقه الإسلامي، فوق أن خطأ الأمة في هذه الحالة من الأمور النادرة التي قلما أن يتحقق؛ لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تجتمع أمتي على ضلالة)) وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن)) قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((اتبعوا السواد الأعظم)) وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((عليكم بالجماعة والعامة)).

ومن ثم فإن الالتزام برأي علماء الأمة وفقهائها يؤدي دوما، وأبدًا إلى الرأي الصحيح في معظم الأمور.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015