تنفيذه, فيجب أن نميز بين المبدأ وأسلوب تنفيذه, فإذا كان الإسلام قد أوجب الشورى وكفل بمقضى إيجابها حق الأمة في المشاركة في الحكم وفي البت في أمورها العامة وأمر بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن ثم يلتزم بها خلفاءه من بعده إلى جانب أنه جعلها صفة من صفات المؤمنين بشرعته الملتزمين بأحكامها, فإن هذا لا يؤدي مطلقًا إلى أن نخلط بين هذه القاعدة التي تقرر المبدأ الواضح والصريح والتي تمثل ركيزة أساسية من الركائز التي يقوم عليها النظام السياسي الإسلامي, وبين أسلوب التنفيذ وصورة التطبيق التي نتجت عن إعمال هذا المبدأ, فالشريعة الإسلامية قد تجنبت التفصيلات التي يقتضيها تنفيذ مبدأ الشورى, وهذا مسلك يقتضيه سمو الشريعة وصلاحيتها لكي تجابه كافة التطورات التي تقتضيها ظروف الزمان والمكان.
إذ إن صور التطبيق ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتغيرات التي تجد على المجتمع, ولو أن الشرعية الإسلامية قد نهجت إلى التفصيل في صور التطبيق لبدت أمام الباحثين جامدة لا تقوى على الوقوف في مواجهة ما يجد على المجتمع من تطور, إلى جانب أن القاعدة التي تتواءم مع زمن معين لا يجوز القول بأنها صالحة لكل زمان, والتي تصلح للمسلمين الأول مع بساطة البيئة وسذاجتها, لا يكن أن تكون صالحة للتطبيق بعد أن نما الإسلام, وتطور وواجه ظروفًا وأوضاعًا تختلف كلية عن الظروف التي واجهها المسلمون في البداية, ومن هنا اكتفى القرآن الكريم بالنص على وجوب المبدأ, وحتميته, أي: مبدأ الشورى, كما أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لو وضع قواعد للشورى, بحسب ما يتلاءم مع البيئة وظروف عصره لاتخذها المسلمون دينًا وحالوا العمل بها في كل زمان ومكان, وما هي من أمر الدين, فكان الأحكم والأصلح أن يترك النبي -صلى الله عليه وسلم- وضع التفصيلات الخاصة بمبدأ الشورى للأمة, تضع منها في كل حال ما يليق بها, ويصلح لها.