والسبيل إلى ذلك لا يكون أيضًا إلا بإعمال مبدأ الشورى, فالوسيلة التي تتمسك في صورة وتفصيلات الشورى يمكن أن يعاد فيها النظر دائمًا, حسب ما يتفق مع ظروف العصر ومقتضيات الزمان, دون أن يكون ذلك ماسًا بأصل الشورى؛ لأن القواعد التي أتى بها القرآن والسنة في هذا النطاق غير قابلة للتعديل؛ لأنها تمثل المبدأ العام والقاعدة العريضة التي لا تختلف باختلاف الزمان أو المكان.
لهذا فإن محاولة النيل من الشريعة الإسلامية لأنها لم تضع قواعد محددة ونماذج تفصيلية لصيغ وتطبيقات الشورى, تكشف عن جهل فاضح بطبيعة النظام الإسلامي, وحقيقته؛ لأنه يتعين أن نميز بين المبدأ وأسلوب وصيغ إعمال هذا المبدأ وتطبيقه, فالله -عز وجل- أراد أن يجعل من الإسلام الدعوة الخالدة والرسالة الأزلية إلى البشر جميعًا, فكان من المطلوب بل ومن المحتم أن تقتصر الشريعة في نطاق المعاملات, وما يتعلق بتنظيم المجتمع على وضع قواعد كلية ومبادئ شاملة ثابتة, لا تتعدل ولا تتبدل, ولكنها في مجال التنفيذ وصيغ التطبيق تسمح بأن تتواءم مع كل ما يجد على المجتمع من تطور, فهي لا تقتصر على أسلوب واحد في التنفيذ لا تتعداه إلى غيره دائمًا, وإنما تضع القاعدة العامة والمبدأ العريض الذي يسمح دومًا وأبدًا بالوفاء بحاجة المجتمع, وهو ما نلاحظه بالنسبة للتعاليم التي قررها الشارع بالنسبة لتنظيم المجتمع في أوضاعه السياسية والاقتصادية والدولية.
فقد اكتفى المشرع بوضع توجيهات عامة جاءت في شكل قواعد كلية غير مفصلة حتى لا تتقيد الأجيال بهذه التفصيلات والتطبيقات, بل تركها المشرع للأمة كي تكون حرة تضع ما يلائمها بحسب حاجة الزمان والمكان ما دامت في نطاق ما رسمته الشرعية من قواعد وأحكام.