وذهب جمهور الفقهاء من العلماء من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة إلى: وجوب العمل بخبر الواحد مع كونه لا يفيد إلا الظن الراجح فقط، لأنه لا تلازم بين وجوب العمل وإفادة العلم، ولأن الظن الراجح كافٍ في الأمور العملية.
فإذن: وجدنا -إذن- الجماعة الأحناف مع جمهور الفقهاء الذين يقولون بوجوب العمل بخبر الواحد، معنى ذلك: أن نقل الدكتور عبد الحميد متولي عن الإمام أبي حنيفة، وأنه كان لا يأخذ بسنة الآحاد هذا النقل مشكوك فيه وغير سليم.
وكذلك فالمنقول عن الحنفية في كتبهم: أنهم يجعلون السنة في المرتبة الثانية بعد القرآن فهي المصدر الثاني للتشريع، سواء كانت متواترة أو مشهورة أو أحادية إذا جاءت على شروطهم، ولا يلجأون إلى الرأي والقياس إلا إذا لم يجدوا في المسألة حديثًا، بل المعروف عن الحنفية أنهم يقدمون الحديث الضعيف على الرأي والقياس، وكذلك يقدمون قول الصحابي على الرأي والقياس أيضًا، فهل يظن بمن كانت هذه أصوله في استنباط الأحكام: أنه يرد سنة الآحاد جملة كما فهمه خطأ الدكتور متولي؟ هذا أمر غير صحيح.
وهناك شبهة ألأخيرة ذكرها الدكتور عبد الحميد متولي، وهي: أن صحيح البخاري قد تعرض للنقض من بعض علماء الحديث، كالإمام أحمد الذي لم يشهد بالصحة لأربعة أحاديث مما جمعه البخاري، وكذلك قد انتقد العلماء الآخرون مائة وعشرة من أحاديث البخاري، والإمام مسلم لم يوافق البخاري على جميع ما جمعه من الأحاديث، بل اختلف معه فيها، والعلماء يرون: أن صحيح البخاري لا يفيد إلا الظن فقط.
وهذا كلام فيه من التعميم ما لا يناسب طبيعة البحث العلمي، فضلًا عن أن بعضه غير صحيح مطلقًا، وبيان ذلك من ناحيتين: