يريدون أن يتأكدوا من ذلك، ويريدون أن يزيلوا هذا التعارض، لكن عندما يتأكدون من صحة هذا الحديث ليس معناه: أنهم لا يأخذون بسنة الآحاد، فقد كانوا يأخذون بسنة الآحاد، وسنة الآحاد ليس بلازم أن يرويها واحد كما فهم ذلك الدكتور عبد الحميد متولي، ولكن قد يكون واحد أو اثنين أو ثلاثة، المهم: لم يبلغوا درجة التواتر الذي تستحيل أو تستحيل العادة أو تحيل العادة تواطئهم على الكذب.

وليس بصحيح كذلك ما ذهب إليه الدكتور متولي من عدم الاحتجاج بسنة الآحاد في مقام القانون الدستوري؛ لأن أبا حنيفة -رضي الله عنه- كان لا يقبل أحاديث الآحاد، إذ كان لا يقبل سوى الأحاديث المشهورة، وكان ذلك راجعًا لانتشار الوضع في الحديث، يعني: الإمام أو الدكتور متولي يقول: لا نأخذ بسنة الآحاد ويستدل على ذلك بأن الإمام أبو حنيفة كان لا يقبل أحاديث الآحاد، فما دام الإمام أبو حنيفة كان لا يأخذ بأحاديث الآحاد -الدكتور متولي يقول هذا- يقول: مادام الإمام أبو حنيفة كان لا يقبل أحاديث الآحاد.

فأيضًا نقول: قياسًا على ما ذهب إليه لا نأخذ أيضًا بهذه الأحاديث نقول: أولًا: هذا النقل عن الإمام أبي حنيفة، وهو: أنه لا يقبل أحاديث الآحاد هو في الواقع نقل غريب عن أبي حنيفة لم يقل به أحد من العلماء، إذ المقرر عند العلماء في مجال الاحتجاج بخبر الواحد هو ما يلي:

ذهب الخوارج والمعتزلة إلى عدم الاحتجاج بخبر الواحد؛ لأنه لا يفيد العلم المقطوع به، وذهب داود الظاهري إلى الأخذ بأحاديث الآحاد وأنه يفيد العلم والعمل جميعًا، وقد اختار هذا الرأي ابن حزم وانتصر له كثيرًا في كتابه (الأحكام) وحكي هذا أيضًا: عن مالك وأحمد، وهو رأي كثير من علماء الحديث؛ لأن الحكم الذي يوجب العمل به يوجب العلم اليقيني.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015