وهذا هو الذي قرره الإمام أبو حامد الغزالي حين ذكر في (المستصفى) أن خبر الواحد لا تثبت به الأصول، أي: أصول الدين وعقائده، فهذه لا تثبت إلا بالدليل القطعي من القرآن أو السنة المتواترة.
وأما ما عدا ذلك فسنة الآحاد تعتبر مصدرًا تشريعيًا في جميع المعاملات بلا استثناء ومنها مسائل السياسة الشرعية أو الأحكام السياسية والدستورية.
وبناء على ذلك: فليس بصحيح ما ذهب إليه الدكتور/ عبد الحميد متولي من الفهم الخطأ لعبارة الغزالي على أنها تعني: أن خبر الواحد لا تثبت به الأصول، أي: أصول الأحكام الشرعية مطلقًا، أي: مصادرها، فليست سنة الآحاد -إذن- في منطق الدكتور متولي من بين مصادر الأحكام الشرعية، ولا يسعفه في ذلك ما نقله عن الغزالي الذي فهم عبارته خطأ، أولًا، وثانيًا: لأن الغزالي في كتبه المختلفة إنما يحتج كثيرًا بسنة الآحاد، وأحيانًا يحتج بأحاديث ضعيفة من هذه السنة، ويقدمها على الأخذ بالرأي.
وليس بصحيح -أيضًا- ما ذهب إليه الدكتور متولي من: أنه لا يجوز العمل بسنة الآحاد في مقام القانون الدستوري؛ لأن أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- كانا لا يأخذان بالحديث في مقام التشريع، ولو كان تشريعًا عاديًا أي غير دستوري، إذا كان راوي الحديث صحابيًا واحدًا، بل كان كل منهما يطلب على سبيل التيقن من صحة الحديث من يشهد مع الراوي؛ لذلك كان من الطبيعي والضروري أن نتخذ بصدد التشريعات الدستورية من أسباب الحيطة والتيقن ما يفوق كثيرًا ما نتخذه بصدد التشريعات العادية، لاسيما بعد أن انقضى على عهد الرسول العديد من القرون، ودخل على رواية الحديث الكثير من دروب الكذب والتحريف.