إذن: معنى ذلك أن هذه الأحاديث -أحاديث الآحاد- يبين لنا الإمام الشافعي أنه يحتج بها، أليست هذه الأعمال كإرسال الرسل، والأمراء والقضاة، ونحو ذلك من صميم المسائل الدستورية والسياسية التي يدعي الدكتور/ عبد الحميد متولي أنها على درجة كبيرة من الخطورة والأهمية، ومن ثم ينتهي إلى أنه لا يكتفي في إثباتها بسنة الآحاد لأنها غير يقينية؟
نقول: إرسال الرسل والأمراء والقضاة التي تعتبر من المسائل الدستورية والسياسية تخالف ما ذهب إليه الدكتور عبد الحميد متولي، وبذلك لم يكن على صواب فيما ذهب إليه من عدم الاعتماد -أو عدم الأخذ- بسنة الآحاد في الأحكام الدستورية.
إننا نذكر هنا أو نذكّر هنا بما سبق أن أشرنا إليه من أن الأحكام الشرعية التي لا تتصل بالعقيدة يكفي في شأنها غلبة الظن فقط، ومن ثم يجب العمل بهذه الأحكام عند ذلك؛ لئلا تتعطل الأحكام لندرة القواطع وقلة مدارك اليقين، وإنما تطلب العلماء في مجال العقيدة أن يكون دليل الإثبات يقينًا؛ لأن الظن لا يغني في هذا المجال كما ذكرنا.
ولكي يكون دليل إثبات العقائد معلومًا من الدين بالضرورة، حتى يترتب الكفر عند رده أو عدم العمل به، ولذلك قرر العلماء: أن من أنكر سنة متواترة قطيعة في دلالاتها فقد أنكر معلوم من الدين بالضرورة، ومن ثم يحكم بكفره؛ لأنها تفيد القطع واليقين في صحة نسبتها إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن أنكر سنة آحاد أو جحدها يكون عاصيًا وليس كافرًا؛ لأنها تفيد الظن الراجح في نسبتها إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولم يقل أحد -على الإطلاق- من أهل العلم المعتبرين: بأن سنة الآحاد لا تصلح لابتناء أي نوع من الأحكام الشرعية عليها فيما عدا العقائد كما ذكرنا.