الاعتقادات، لأن الاعتقادات -كما قلنا-: مبنية على الجزم واليقين، ولا يكفي فيها غلبة الظن التي تفيدها سنة الآحاد، لأن الظن في الاعتقادات لا يغني عن الحق شيئًا.

ويشترط للعمل بخبر الواحد عند أبي حنيفة -زيادة على الثقة بالراوي وعدالته-: ألا يخالف عمله ما يرويه، يعني: ألا يخالف الراوي الحديث الذي رواه، ومن ذلك ما روي أن أبا هريرة كان يروي خبر: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا إحداهن بالتراب الطهور فإن أبا حنيفة لم يأخذ به يعني: لم يشترط السبع مرات؛ لماذا؟ قالوا: لأن أبا هريرة نفسه -وهو راوي الخبر- كان يأخذ به، فكان يكتفي بالغسل ثلاثًا، فيكون هذا أمارة الضعف في الرواية في صدق نسبتها إلى نفس الراوي.

ويشترط مالك رضي الله عنه للعمل بسنة الآحاد: ألا تخالف ما عليه أهل المدينة؛ لأنه من مذهبه أن ما عليه أهل المدينة في الأمور الدينية اشتهرت روايته واستفاضت فلا يخفى على أحد.

يقول الشيخ أبو زهر في هذا المقام: فمالك في هذا كشيخه ربيعة الرأي، يرى: أن عمل أهل المدينة في أمر ديني هو رواية ألف عن ألف حتى يصل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا خالفها خبر آحاد كان ضعيف النسبة للرسول -صلى الله عليه وسلم- فتقدم عليه. فتقديم عمل أهل المدينة على سنة الآحاد عند مالك هو تقديم مشهور مستفيض متواتر على خبر الواحد، وليس ردًا مجردًا لخبر الآحاد، أي: أن الإمام مالك لا يرد خبر الآحاد، لكن خبر الآحاد إذا تعارض مع عمل أهل المدينة عند الإمام مالك فإنه يقدم عمل أهل المدينة، لكن هذا ليس معناه أنه يرفض العمل بخبر الآحاد.

نعود بعد هذه المقدمة إلى موضوعنا الأصلي وهو: كون سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- مصدرًا من مصادر الأحكام الدستورية والسياسية في النظام الإسلامي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015