وإذ قد قررنا أن السنة مصدر تشريعي معتبر في جميع الأحكام الشرعية وأن الأحكام السياسية والدستورية في النظام الإسلامي هي جانب من الأحكام الشرعية العملية فإننا نقرر في هذا الصدد وبارتياح تام أن السنة تعتبر مصدرًا لهذه الأحكام كغيرها تمامًا، بلا فرق في هذا بين السنة المتواترة، والسنة المشهورة، وسنة الآحاد، ويظهر هذا في تلك الوثيقة المكتوبة التي عرفت باسم دستور المدينة، أو ما يطلق عليها الصحيفة وهي الأساس في المرحلة الأولى لنشأة الدولة الإسلامية في حقوق الحاكم وحقوق الرعية وتنظيم المجتمع والدولة، وكذلك تتردد في نصوص السنة المطهرة كلمات: الراعي، والرعية، والبيعة، والإمارة، والطاعة للأمير، وفيها تشريعات في حقوق الحاكم ومسئوليته، وحقوق الأفراد، وحرياتهم، والسيادة، والسلم، والحرب، والمعاهدة، والقضاء والشورى، ومركز الأقليات الدينية، وغير ذلك مما يدخل في صميم الأحكام الدستورية، والسياسية بالمصطلح المعاصر. ومعنى ذلك: أن السنة إنما أيضًا مثل القرآن الكريم تعتبر مصدرًا من مصادر الأحكام الدستورية والسياسية في الدولة الإسلامية؛ لأنه كما قلنا: ذكرت أمور هي من صميم النواحي الدستورية والسياسية -كما قلنا- مثل: الإمارة والطاعة للأمير وغير ذلك وحقوق الأفراد وحرياتهم وعلاقة المسلمين بغيرهم في السلم والحرب وغير ذلك.
لذا فإنا نعجب غاية العجب مما ذهب إليه أحد الكاتبين المحدثين من عدم الاحتجاج بسنة الآحاد في ميدان الأحكام السياسية والدستورية.