لما كان الهدف من فرض الخراج هو تحقيق المساواة بين المواطنين جميعًا في تحمل التكاليف المالية المقررة في الدولة، فإن ذلك ليس معناه أن يفرض الخراج على المكلفين بطريقة جامدة لا تراعي ظروفهم، فالعدالة تقتضي أن يساهم المكلف في النفقات العامة للدولة تبعًا لمقدرته المالية، فتوزع الأعباء المالية على المكلفين حسب يسارهم، إن تحقيق العمومية في الخراج، وإن كان لها أهميتها الكبيرة إلا أنها لا بد وأن تقترن بفكرة أخرى هي أن العبء الخراجي الذي يتحمله المكلف، ينبغي أن يتفق مع مقدرته المالية وظروفه، والتشريع الإسلامي في فرضه للخراج لم يسلك طريق جامدة بل إنه راعى في ذلك المقدرة التكليفية للمكلف، يدل على ذلك أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- راعى أن تقوم ضريبة الخراج على أساس طاقة الأرض، وأن يؤخذ في الاعتبار اختلاف الأراضين من حيث جودة يذكوا بها زرعها أو رداءة يقل بها ريعها، واختلاف الزرع من حيث النوع إذ منها ما يكثر ثمنه واختلاف السقي؛ لأن ما سقي بالنواضح والدوالي لا يحتمل من الخراج ما يحتمله ما سقي بالسيح والأمطار على أن يوضع الخراج من غير حيف بمالك، ولا إجحاف بزارع.

ومما يدل على ذلك أن عمر بن الخطاب سأل عامليه على الخراج حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف؛ ليطمئن إلى أنهما لم يكلفا الممولين فوق طاقتهم فأجاباه بأنهما حملا الأرض ما تطيق، ولو زاد لأطاقت ولكنهما تركا الفضل للناس، وقال عثمان: لقد تركت الضعف ولو شئت لأخذته، ومناقشة عمر لعامليه في مقدار الخراج الذي وضعه على الأرض يدل على عدالة عمر المستمدة من عدالة الإسلام وسماحته بالنسبة لغير المسلمين.

فالخراج إذن يتحدد مقداره بقدر طاقة الأرض ولهذا جاءت الروايات المختلفة عن عمر في مقادير الخراج، وهي تختلف باختلاف الأرض من حيث الجودة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015