ومقدار الغلة فهو لم يجعل على كل الأرض مقدارًا واحدًا لا يختلف، وإنما راعى في كل أرض ما تحتمله، وهذا يحقق العدل بين الناس فقد وضع عمر على بعض نواحي السواد على كل جريب قفيزًا ودرهمًا، وضرب على ناحية أخرى غير هذا القدر.

إن العدل في السياسة المالية يقضتي من ولي الأمر ألا يفرض من الضرائب ما يثقل كاهل الناس ويرهقهم، أو لا يتناسب مع درجات الغنى وتفاوت الناس في اليسار، وبمعنى آخر عليه أن يراعي حالة الناس واستعدادهم لأداء ما فرض عليهم، فإذا أصبح الناس غير قادرين على أداء ما فرض عليهم كان من الواجب على ولي الأمر التخفيف عنهم إلى ما يستطيعون، يدل على ذلك أن أحد الخلفاء العباسيين عدل عن خراج الوظيفة الذي كان مقررًا على سواد العراق منذ عهد عمر، إلى خراج المقاسمة حينما رأى أن الأرض لم تعد تفي بما كان موظفًا عليها من قبل، فكان من غير العدل أن يستمر أهل السواد مكلفين بأداء ما وظف على أراضيهم على حين أنها لا تغل لهم ما يتمكنون به من أداء ما فرض عليهم، يراجع في ذلك (السياسة الشرعية والفقه الإسلامي) للشيخ عبد الرحمن تاج صـ40 وما بعدها الطبعة الأولى 1953، مطبعة دار التأليف بمصر.

وهذا الحرص على توزيع أعباء الخراج على الجميع عن طريق مراعاة ما سبق كان أمنية الفرنسيين التي لم تتحقق لهم إلا في منتصف القرن التاسع عشر، وهذه الطريقة في تحديد مقدار الخراج والسابق بيانها هي الطريقة الحديثة في فرض الضرائب العقارية، والتفاوت في المقدار الواجب في الخراج حسب طاقة الأرض يعتبر أساس فكرة المساواة التي روعيت فيها العدالة؛ لأن المساواة بين غير المتماثلين في المقدرة المالية ظلم كما أوضحنا فيما يرى، وقد روعي ظروف المكلف بالخراج في عدة أمور نذكر من أهمها:

أولًا: إعفاء غير القادرين من ضريبة الخراج، كما يجب الخراج على المكلفين به إذا أطاقت الأرض ذلك، فإن هذا الخراج يسقط في حالات كثيرة من أهمها، إذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015