ولا تجعلنا نعرفك أنك قد ختمت أهل كورتك -يعني بلدتك- بأي صورة من الصور في مسألة الضريبة التي كلفت بها, أو أنك حابيت, وظلمت أحدًا في جمعها؛ لأننا نعرف أن الأشخاص المكلفين بدفعها لا بد وألا يطيعوا بعض أوامرك, فإذا وجدت أنهم -أي عمال الجزية- قد عاملوا أحدًا ما بلين زائد, نتيجة محابتهم إياه, أو أثقلوا عليه غاية الإثقال؛ لكراهيتهم إياه, فإننا سنقتص منهم في أشخاصهم, وأملاكهم؛ تنفيذًا للشرع, ومن ثم أنذرهم, وحذرهم, وأخبرهم ألا يرهقوا عاملًا, وألا يحملوه ما لا يطيق, حتى ولو كان بعيدًا عنهم, أو ليس من زمرتهم, في جمع الضريبة, ولكن تجب معاملة الجميع بالعدل, وأخذ الشيء من كل منهم بقدر طاقته, هذا كلام منقول عن غير المسلمين يشهدون للمسلمين بالعدل, وقد ورد هذا الكلام في كتاب (أهل الذمة في الإسلام) تأليف الدكتور "تِرْتُن" ترجمة حسن حبش, الطبعة الثانية 1967 الناشر دار المعارف بمصر, صفحة 163 وما بعدها.

وهذا النقل عن كتاب "تِرْتُن" في كتابه (أهل الذمة) يبين أن الولاة كانوا يأمرون الذين يتولون أمر جباية الجزية والخراج بأن يراقبوا عمال الجباية, ويطلبوا منهم ألا يظلموا أحدًا, حتى ولو كان بعيدًا عنهم, ليس في زمرتهم, ولا يمشي معهم, ولا غير ذلك, وهذه شهادة من غير المسلمين على عدل المسلمين في جبايتهم للجزية.

وهكذا نجد أن الإسلام يأمر عمال الجزية بتحقيق العدالة الكاملة بالنسبة للمكلفين بالجزية, ولا شك أنه سيكون لذلك أثر طيب في نفوس هؤلاء المكلفين, حيث يجعلهم لا يفكرون مطلقًا في التهرب من أداء المقدار الواجب عليهم من هذه الضريبة, الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تحقيق المساواة الكاملة بين المكلفين بأداء الجزية, كل حسب مقدرته المالية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015