أن تعاليم الإسلام دعت إلى أن يكون عمال الجباية عادلين في معاملتهم للممولين, رفقاء بهم, فلا يفرق الجابي بين مسلم وغير مسلم, ولا يكلفه ما لا يطيق, ولا يضربه, ولا يحبسه, ولا يجعل في أبدان المكلفين شيئًا يكرهونه, ولكن يكون رفيقًا بهم, فقد روي عن هشام بن حكيم بن حزام أنه مر على قوم يعذبون في الجزية بفلسطين, فقال هشام: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الله يعذب يوم القيامة الذين يعذبون الناس في الدنيا)).
وكثيرًا ما أوصى الخلفاء عمالَ الجزية بمراعاة العدالة في تحصيلها, وحسن معاملة المكلفين بها, وعدم تكليفهم ما لا يطيقون, ومن الأدلة على ذلك ما رواه أبو عبيد من أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أتاه مال كثير من الجزية, فقال لعمال الجزية: إني لأظنكم قد أهلكتم الناس, قالوا: لا والله ما أخذنا إلا عفوًا, قال: فلا صوت, ولا نوط؟ يعني: لم تضربوا الناس؟ قالوا: نعم, قال: الحمد لله الذي لم يجعل ذلك على يدي, ولا في سلطاني, فقد خشي عمر بن الخطاب -رضوان الله تبارك وتعالى عليه- عندما رأى هذا المال الكثير الذي جاءوا به, خشي أن يكون ذلك بسبب أنهم أخذوا ما لا يستحقون من أهل الذمة, وتأكد من أنهم لم يظلموا أهل الذمة, وبالتالي حمد الله -تبارك وتعالى- أنه لم يكن هناك ظلم لأهل الذمة في عهده.
ومن الأدلة الدالة لى أن التشريع الإسلامي لا يسمح لعمال الجزية بظلم المكلفين بها, بل يأمرهم بالرفق بهؤلاء المكلفين, وبتحقيق المساواة التامة بينهم, ما جاء في الأمر الذي وُجد بين أوراق البردي اليونانية المحفوظة في المتحف البريطاني, والتي نقلها إلينا الدكتور "تِرْتُن" في كتابه (أهل الذمة في الإسلام) فقد نقل إلينا كلامًا من هذا الأمر موجهًا من حكام المسلمين إلى من يتولى أمر الجزية جاء فيه: