في عهد الروم, ولما رأى إصرار المسلمين على أخذ الجزية منه؛ مساواة له بغيره في هذا الشأن, ترك البلاد, ورحل إلى بلاد الروم, من أجل ألا يؤدي الجزية للمسلمين, وهكذا نرى أن ديننا الذي ينادي بالمساواة بين الناس لم يحاب ملك غسان, وهو جبلة بن الأيهم, ولم يعفه من الجزية, رغم أنه عزيز في قومه, وعزيز لدى الروم, فكانوا يعفونه منها, فقد كان منطق الروم جائرًا في فرض الجزية, حيث كانوا يأخذونها من الفلاح, ويعفون منها القادرين؛ لقربهم من الإمبراطور, ولما لهم من مراكز في المجتمع, هذا المنطق لا يقره الإسلام, فالجزية تجب على كل شخص توافرت فيه شروطها, مهما كان مركزه الاجتماعي, ولذا طلب حكام المسلمين الجزية من ملك غسان كما رأينا, وفي هذا المعنى يقول أبو يوسف في كتابه (الخراج):
ولا يحل للوالي أن يدع أحدًا من النصارى, واليهود, والمجوس, والصابئين, والسامرة, إلا أخذ منهم الجزية, ولا يرخص لأحد منهم في ترك شيء من ذلك, ولا يحل أن يدع واحدًا ويأخذ من واحد, ولا يسع ذلك؛ لأن دمائهم, وأموالهم, إنما أُحرزت بأداء الجزية.
ومن هذا نرى أن مبدأ المساواة بين المكلفين بالجزية متحقق على الوجه الأكمل, ومعنى هذا أن العمومية الشخصية بالنسبة للجزية قد تحققت إلى أقصى درجة ممكنة.
أما بالنسبة للعمومية المادية في الجزية فنقول:
إذا كانت الجزية واجبة على الذكر البالغ العاقل القادر على أدائها -كما ذكرنا- إلا أنه يشترط أن يكون له مال يدفع منه ما فرض عليه من جزية, فالجزية تجب في