المال, ولهذا أُعفي منها الأعمى, والمقعد, والفقير, والمسكين, وهذا يُفهم من قوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (التوبة: من الآية: 29) والإعطاء يكون بالضرورة من المال الذي يكون في حوزة الأفراد, سواء بالدفع, أو بالضمان, ولذلك فاوت عمر بن الخطاب في مقدار الجزية؛ تبعًا لمقدار المال الذي يملكه الممول, فإذا كثر ماله زيد عليه مقدارها, وإن قل ماله نقص مقدراها, فقد أقر الزيادة فيها على أهل الشام, والعراق؛ لغناهم, وخفضها على أهل اليمن؛ لقلة مواردهم المالية.
وإذا كانت الجزية أصلها الدراهم, والدنانير, والطعام, إلا أنه يجوز أخذ العروض, والحيوان, بدلًا من النقدين, فقد كان عمر بن الخطاب يأخذ فيها الإبل, وكانت تأتيه من الشام نعم كثير من الجزية, وكان علي بن أبي طالب يأخذها من كل ذي صنع من صاحب الإبر إبرًا, ومن صاحب المسان مسان, ومن صاحب الحبال حبالًا, أي أنهم كانوا يراعون ظروف المكلف, ولا يضيقون عليه.
ونتحدث الآن عن العوامل التي تساعد على تحقيق العمومية في الجزية:
رأينا كيف اهتم التشريع الإسلامي بتحقيق العمومية في الجزية, سواء كانت العمومية الشخصية, أو العمومية المادية, إلا أنه لم يكتف بتأكيد هذا, بل عمل على ضمان تحققها, فقد تكون العمومية متوفرة, ولكن قد يأتي العمل ليخل بها, وبالتالي نجد التشريع الإسلامي في نفس الوقت الذي يهتم فيه بإظهار الجوانب المختلفة لهذه العمومية, يعمل جاهدًا على إبعاد كل ما من شأنه الإخلال بها.