الكتاب يأمر بالمساواة بين المكلفين, ولا يفرق بين شخص وآخر في جزية, أو خراج, مادامت ظروفهم متماثلة, ولا يكلف الممول فوق طاقته.
ومن الأدلة على ذلك أيضًا أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لم يعف من الجزية نصارى بني تغلب, وهم عرب لهم قوة وسلطان, وصالحهم على أن يأخذ منهم ضعفي الزكاة, يراجع في ذلك (الأموال) لأبي عبيد صفحة 36 وما بعدها, فهذا دليل -أي ما فرضه عمر على نصارى بني تغلب- قوي على أن من وجبت عليه الجزية لا يعفى منها, مهما كان مركزه الاجتماعي.
ومن الأدلة أيضًا أنه عندما تم الصلح بين عمرو بن العاص, وبين المقوقس في مصر, اصطلحوا على أن يفرض على جميع من بمصر أعلاها, وأسفلها, من القبط دينارين عن كل نفس, شريفهم, ووضعيهم, ممن بلغ الحلم, فقد فُرضت الجزية على جميع القادرين في مصر, خلافًا لما كان سائدًا فيها في عصر الروم, حيث كان يعفي من الضريبة أصحاب الجاه والسلطان, لكننا وجدنا أن عمرو بن العاص لم يفرق في أخذ الجزية بين شريف, ووضيع, أخذها أو ساوى بين الناس في أخذها منهم.
ولتحقيق المساواة بين المواطنين في تحمل عبء الجزية أُلغيت امتيازات أهل الإسكندرية, وطبقات الأشراف, التي تمتعوا بها في ظل الحكم البيزنطي, وطُبقت عليهم الجزية الإسلامية, ومن أجل تفصيل ذلك يرجع إلى كتاب (النظام المالي المقارن في الإسلام) للدكتور بدوي عبد اللطيف, طبعة 1962 صـ 88 وما بعدها.
ومن الأدلة أيضًا أنه يُروى أن جبلة بن الأيهم لما انهزمت الروم من اليرموك, صار إلى موضعه في جماعة قومه, فأرسل إليه يزيد بن أبي سفيان يطلبه خراج أرضه, وخراج رأسه -يعني الجزية, فلم يرفض جبلة أن يؤدي ضريبة الأرض, لكنه أنف, ولم يرض بجزية الرأس قائلًا: إنما يؤدي الجزية العلوج, يعني أفراد, أو عامة الناس, وأنا رجل من العرب, فقد كان معفيًا من الجزية