إنسانًًا يشهد، وهو على درجة عالية من العدالة كما طلبها الفقهاء، ونصوا عليها، فما العمل؟ هل تتعطل الحقوق، ولا نقبل شهادة؟ هل أن القاضي لا يأخذ بهذا الدليل للإثبات، وهو الشهادة، وهو الذي يأتي بعد الإقرار، أم ماذا نفعل؟ هل تتعطل الحقوق أم أننا تماشيًا مع الحالات التي، وصل إليها الناس نأخذ بأمرٍ وسط، وهو أننا نقبل شهادة هؤلاء غير العدول، لكننا نختار الأقل فسادًًا، والأقل فجورًا منهم.

إن السياسة الشرعية الحكيمة تقول: نأخذ بشاهدة هؤلاء الذين لم يصلوا إلى مرحلة العدالة الكاملة؛ لأنه يجوز في هذه الحالات التي كادت أن تنعدم فيها العدالة أن نأخذ بأقلهم فسقًًا، وأقلهم فجورًا؛ ليشهد عند القاضي، والقاضي يأخذ بهذه الشهادة، ويصدر حكمه بناءً عليها، هذه الأشياء، أو القول بأنه يجوز قبول شهادة غير العدل إنما الذي جعلنا نقول بذلك إنما هو السياسة الشرعية، لكن لو تمشينا مع القواعد العامة، ومع نصوص الفقهاء فلن نقبل شهادة غير العدل، لكن السياسة الشرعية تقول لنا: إن مصلحة الناس أن لا نعطل باب الشهادة، أن لا نعطل هذه الوسيلة المهمة من وسائل الإثبات، وهي الشهادة؛ ولذلك نأخذ بشهادة غير العدل، لكن نختار من هو أقل فسادًًا، ومن هو أقل فجورًا بالنسبة لموضوع الشهادة، هذا الأمر أيضًًا يتقرر بالنسبة للقضاء، فالفقهاء اشترطوا شروطًا كثيرة بالنسبة للقاضي، وعلى رأسها العدالة؛ فالقاضي إذا كان يشترط في الشاهد العدالة؛ فهي من باب أولى مطلوبة، وبأكثر أهمية في القاضي، لكن نصل لو افترضنا أن حال الناس، وصل إلى أننا لا نجد قاضٍ مستجمع للشروط التي اشترطها الفقهاء؛ فالفقهاء -على سبيل المثال- أكثرهم يشترط أن يكون القاضي مجتهدًا، لكن إذ وصلنا إلى مرحلة وجدنا أن الناس وصلوا إلى درجة لا نجد فيهم قاضٍ مجتهد، فما العمل في هذه الحالة؟ هل نعطل باب القضاء، أم أننا نعين قاضيًا -وإن لم يكن مجتهدًا?

طور بواسطة نورين ميديا © 2015