ومن الأدلة أيضًًا التي تدل على اعتبار السياسة الشرعية، وأنه يجب أن نأخذ بها أن حالة الناس في هذه العصور المتأخرة قد تغيرت عما كانت عليه في صدر الإسلام، فقد كثر الفساد، وانتشرت في الأمم أمراض اجتماعية تتطلب من أنواع العلاج ما يصلح لهذه الأمم، ويتناسب مع حالها، واستعدادها؛ ليكون أنجع في إزالة تلك العلل، والأمراض على شريطةِ أن ألا يخالف ذلك أصلًا من أصول الإسلام.
ولذلك يقول العلماء -في باب الشهادة-: أنه إذا لم يوجد في بلدٍ إلا غير العدول؛ فإنه يقام أصلحهم، وأقلهم فجورًا للشهادة، ومثل هذا يقال في القضاة وغيرهم؛ حتى لا تضيع المصالح، وتتعطل الحقوق، والأحكام.
وهذا معناه: أنه إذا كان الفقهاء قد اشترطوا في الشهادة أن يكون الشهود عدولًا، بل إن بعض الفقهاء لم يكتف بتحقق هذه العدالة الظاهرية، أو الظاهرة، وإنما قال: لا بد من البحث في بواطن الأمور؛ ولذلك وجد نظام يسمى: نظام المزكين عند القاضي، ومهمة هؤلاء المزكين أن يسألهم القاضي عن أحوال هذا الشاهد؛ فهم يبحثون عن البواطن الخاصة بهذا الشاهد؛ فإذا قال المزكون: إنه لا ينفع للشهادة، على الرغم من العدالة الظاهرة؛ ففي هذه الحالة لا تقبل شهادتهم.
خلاصة القول: أن الفقهاء كانوا يتشددون في موضوع الشهادة، ويشترطون -وكلهم يشترطون ذلك- أن يكون الشاهد عادلا، وهذا مأخوذ من كتاب الله -تبارك وتعالى- فالله -تبارك وتعالى- يقول: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} (البقرة: من الآية: 282).
ولذلك قال الفقهاء: لا بد من العدالة في هذا الأمر، لكن مع تطور الأزمان، وبعد الناس عن الوازع الديني، وقلة الوازع الديني عندهم، وهو أننا قد لا نجد